سورة الغاشية١-٣قوله جلّ ذكره : { هَلْ أَتَاكَ حَدِيِثُ الغَاشِيَةِ } . ( الغاشية ) المُجَلَّلَةُ ، يريد بها القيامة تَغْشَى الخَلْقَ ، تَغْشَى وجوهَ الكفَّار { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ تَصْلى نَاراً حَامِيةً } . وجوهٌ - إذا جاءت القيامة - خاشعة أي ذليلة . عاملة ناصبة : النَّصَب التعب . جاء في التفسير : أنهم يُجَرُّون على وجوههم . ٤{ تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً } تلزم ناراً شديدة الحرِّ . ويقال : ( عاملة ) في الدنيا بالمعاصي ، ( ناصبة ) في الآخرة بالعذاب . ويقال : ( ناصبة ) في الدنيا ( عاملة ) لكن من غير إخلاص كعمل الرهبان ، وفي معناه عملُ أهل النفاق . ٥{ تُسْقَى مِنْ عِيْنٍ ءَانِيَةً } . تناهى حَرُّها . ٦-٧{ لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِى مِن جُوعٍ } . نَبْتٌ ينمو بالحجاز له شَوْكٌ ، وهو سمٌّ لا تأكله الدواب ، فإذا أكلوا ذلك في النار يُغَصُّون ، فَيُسْقَوْنَ الزقُّوم . وإن اتصافَ الأبدانِ - اليومَ - بصورة الطاعات مع فَقْدِ الأرواح وجدانَ المكاشفات ( وفقدِ ) الأسرارِ أنوارَ المشاهدات ، ( وفقدِ ) القلبِ الإخلاصَ والصدق في الاعتقادات لا يجدي خيراً ، ولا ينفع شيئاً - وإنما هي كما قال : { عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } . ٨قوله جلّ ذكره : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ } . أي : مُتَنَعِّمة ، ذات نعمةٍ ونضارةٍ . ٩{ لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ } . حين وَجَدَتْ الثوابَ على سعيها ، والقبول لها . ١٠{ فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } . عالية في درجتها ومنزلتها وشرفها . هم بأبدانهم في درجاتهم ، ولكن بأرواحهم مع اللّه في عزيز مناجاتهم . ١١{ لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً } . لأنهم يسمعون باللّه؛ فليس فيها كلمةُ لغوٍ . قومٌ يسمعون باللّه ، وقومٌ يسمعون للّه ، وقومٌ يسمعون من اللّه ، وفي الخبر : ( كنت له سمعاً وبصراً فبي يَسْمَعُ وبي يُبْصِرُ ) ١٢{ فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ } . أراد عيوناً؛ لأن العين اسم جنس ، والعيون الجارية هنالك كثيرة ومختلفة . ويقال : تلك العيون الجارية غداً لِمَنْ له - اليومَ - عيونٌ جارية بالبكاء ، وغداً لهم عيونٌ ناظرةٌ بحُكم اللقاء . ١٣-١٦{ فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ وَزَرَابِىُّ مَبْثُوثَةٌ } . النمارق المصفوفة في التفسير : الطنافس المبسوطة . الزرابي المبثوثة في التفسير : البُسُط المتفرقة . وإنما خاطبهم على مقادير فُهومهم . ١٧قوله جلّ ذكره : { أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } . لمَّا ذَكَرَ وصفَ تلك السُّرُورِ المرفوعة المشيَّدة قالوا : كيف يصعدها المؤمن؟ فقال : أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت؟ كيف إذا أرادوا الحَمْلَ عليها أو ركوبها تنزل؟ فكذلك تلك السُّرُرُ تتطامن حتى يركبها الوليُّ . وإنما أنزلت هذه الآيات على وجه التنبيه ، والاستدلال بالمخلوقات على كمال قدرته - سبحانه . فالقومُ كانوا أصحابَ البوادي لا يرون شيئاً إلا السماءَ والأرضَ والجبالَ والجِمالَ . . . فأَمَرهم بالنظر في هذه الأشياء . وفي الإبل خصائص تدل على كمال قدرته وإنعامه جل شأنه؛ منها : ما في إمكانهم من الانتفاع بظهورها للحَمْلِ والركوب ، ثم بنَسْلِها ، ثم بلحمها ولبنها ووَبَرِها . . . ثم من سهولة تسخيرها لهم ، حتى ليستطيع الصبيُّ أنْ يأخذَ بزِمامها ، فتنجرّ وراءه . والإبل تصبر على مقاساة العَطَش في الأسفار الطويلة ، وهي تَقْوَى على أن تحمِلَ فوق ظهورها الكثير َ من الحَمولات . . . ثم حِرَانُها إذا حقدت ، واسترواحُها إلى صوتِ مَنْ يحدوها عند الإعياء والتعب ، ثم ما يُعَلِّل المرءُ بما يناط بها من بِرِّها . ٢١-٢٢{ فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ } . لستَ عليهم بمُسَلَّطٍ؛ فذَكِّر - يا محمد - بما أمرناك به ، فبذلك أمرناك . ٢٣-٢٤{ إِلاَّ مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللّه الْعَذَابَ الأَكْبَرَ } . إلا مَنْ تَولَّى عن الإيمان وكفر فيعذبه اللّه بالخلودِ في النار . ٢٥-٢٦{ إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم } . إن إلينا رجوعَهم ، ثم نجازيهم على الخير والشرِّ . |
﴿ ٠ ﴾