سورة الليل١قوله جل ذكره : { والَّيْلِ إِذَا يَغْشَى } . يغشى الأفقَ ، وما بين السماء والأرض فيستره بظُلْمتِه . والليلِ لأصحاب التحيُّر يستغرِق جميعَ أقطار أفكارهم فلا يهتدون الرشد . ٢{ وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى } . أنارَ وَظَهرَ ، ووَضح وأسفر . ونهارٌ أهلِ العرفان بضياء قلوبهم وأسرارهم ، حتى لا يَخْفَى عليهم شيءٌ ، فسكنوا بطلوعِ الشمس عن تكلُّف إيقاد السراجِ . ٣{ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ والأُنثَى } . أي : ( من ) خَلَقَ الذكر والأنثى؛ وهو اللّه سبحانه : ٤{ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى } . هذا جوالُ القَسَم ، والمعنى : إنَّ عملكم لمختلف؛ فمنكم : مَنْ سَعْيُه في طلب دنياه ، ومنكم مَنْ سعيهُ في شهواتِ نَفْسِه واتباع هواه ، ومنكم مَنْ سعيهُ في شهواتِ ، ومنكم مَنْ في طَلَبِ جاهِه ومُناه ، وآخر في طلب عقباه ، وآخر في تصحيح تقواه ، وآخر في تصفية ذكراه ، وآخر في القيام بحُسْنِ رضاه ، وآخر في طلب مولاه . ومنكم : من يجمع بين سعي النّفْس بالطاعة ، وسَعْي القلب بالإخلاص ، وسعي البَدَن بالقُرَب ، وسعي اللسان بذكر اللّه ، والقول الحَسَنِ للناس ، ودعاء الخَلْقِ إلى اللّه والنصيحة لهم . ومنهم مَنْ سعيُه في هلاكِ نَفْسِه وما فيه هلاك دنياه . . ومنهم . . ومنهم . ٥قوله جل ذكره : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى } . { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى } من مالِه ، { وَاتَّقَى } مخالفةَ ربِّه . . ويقال : { أعطى } الإنصافَ من نَفْسِه ، { وَاتَّقَى } طَلَبَ الإنصافِ لنفسِه . . . ٦ويقال : ( اتقى ) مساخِطَ اللّه . { وَصَدَّقَ بالْحُسْنَى } : بالجنة ، أو بالكَرَّةِ الآخرة ، وبالمغفرةِ لأهل الكبائر ، وبالشفاعة من جهة الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، وبالخَلَفِ من قِبَل اللّه . . . فسَنُيَسِّرهُ لليُسْرَى : أي نُسَهِّلُ عليه الطاعاتِ ، ونُكَرِّهُ إليه المخالفاتِ ، ونُشَهِّي إليه القُرَبَ ، ونُحبِّبُ إليه الإيمان ، ونُزَيِّن في قلبه الإحسان . ويقال : الإقامة على طاعته والعود إلى ما عمله من عبادته . ٧-١٠{وََأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى } . أما من مَنَعَ الواجبَ ، واستغنى في اعتقاده ، وكَذَّب بالحسنى : أي بما ذَكَرْنا ، فسينسره للعسرى؛ فيقع في المعصية ولم يُدَبِّرْها ، ونوقف له أسبابَ المخالفة . ويقال : ( أعطى ) أعْرَضَ عن الدارين ، ( واتَّقى ) أن يجعل لهما في نفسه مقداراً . ١١قوله جل ذكره : { وَمَا يُغْنِى عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى } . يعني : إذا مات . . فما الذين يغني عنه ماله بعد موته؟ ١٢قوله جل ذكره : { إِنَّ عَلَيْنَا للّهدَى } . لأوليائنا ، الذين أرشدناهم . ويقال : { إِنَّ عَلَيْنَا للّهدَى } بنصيب الدلائل . ١٣{ وَإِنَّ لَنَا للأَخِرَةَ وَالأُولَى } . مُلْكاً ، نعطيه من نشاء . ١٤{ فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى } . أي : تتلظَّى . ١٥{ لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ الأَشْقَى } . أي : لا يُعَذَّبُ بها إلاَّ الأشقى ، وهو : ١٦{ الَّذِى كَذَّبَ وَتَوَلَّى } . يعني : كَفَرَ . ١٧-١٨{ وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِى يُؤْتِى مَالَهُ يَتَزَكَّى } . يُعْطى الزكاة المفروضة . ويقال يَتَطهَّر من الذنوب . ونزلت الآية في أبي بكر رضي اللّه عنه ، والآية عامة . ١٩{ وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى } . حتى تكون هذه مكافأة له . ولا يفعل هذا لَيَتَّخِذَ عند أحدٍ يَداً ، ولا يطلب منه مكافأةٍ : ٢٠{ إِلاَّ ابْتِغَآءَ وَجْهِ ربِّه الأَعْلَى } . أي : ليتقرَّبَ بها إلى اللّه . ٢١{ وَلَسَوْفَ يَرْضَى } . يَرْضَى اللّه عنه ، ويرضى هو بما يعطيه . |
﴿ ٠ ﴾