تفسير الماتريدي:  تأويلات أهل السنة

أبو منصور محمد بن محمد بن محمود الماتريدي السمرقندي

الشيخ الإمام الزاهد شمس العصر،

رئيس أهل السنة والجماعة في أصول التوحيد

الحنفي

(ت ٣٣٣ هـ ٩٤٤ م)

_________________________________

مقدمة المصنف

بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قال الشيخ الإمام أبو منصور الماتريدي، رضي اللّه تعالى عنه:

الفرق بين التأويل والتفسير

هو ما قيل: التفسير للصحابة، رضي اللّه عنهم، والتأويل للفقهاء، ومعنى ذلك: أن الصحابة شهدوا المشاهد، وعلموا الأمر الذي نزل فيه القرآن.

فتفسير الآية أهم لما عاينوا وشهدوا، إذ هو حقيقة المراد، وهو كالمشاهدة، لا تسمح إلا لمن علم، ومنه قيل: من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار؛ لأنه فيما يفسر يشهد على اللّه به.

وأما التأويل: فهو بيان منتهى الأمر، مأخوذ من: آل يؤول، أي يرجع، ومعناه - كما قال أبو زيد: لو كان هذا كلام غيره يوجه إلي كذا وكذا من الوجوه، فهو توجيه الكلام إلى ما يتوجه إليه، ولا يقع التشديد في هذا مثل ما يقع في التفسير، إذ ليس فيه الشهادة على اللّه؛ لأنه لا يخبر عن المراد، ولا يقول: أراد اللّه به كذا، أو عنى، ولكن يقول: يتوجه هذا إلى كذا وكذا من الوجوه، هذا مما تكلم به البشر. واللّه أعلم ما صحته من الحكمة.

ومثاله: أن أهل التفسير اختلفوا في قوله تعالى: {الْحَمْدُ للّه}:

قَالَ بَعْضُهُمْ: إن اللّه تعالى حمد نفسه.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: أمر أن يُحمد.

فمن قال: عنى هذا، دون هذا، فهو المفسر له.

وأما التأويل - فهو أن يقول: يتوجه الحمد إلى الثناء والمدح له، وإلى الأمر بالشكر للّه عَزَّ وَجَلَّ، واللّه أعلم بما أراد.

فالتفسير -ذو وجه واحد، والتأويل- ذو وجوه.

 بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سُورَةُ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ

١

بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١)

التَّسمِيةُ هِيَ آيةٌ مِنَ الْقُرْآن، وَلَيسَتْ مِنْ فاتِحةِ الكِتاب.

دليل جعلها آية: ما رُويَ عن النبي - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال لأبي بن كعب: " لأُعلمنَّكَ آيةً لَم

ثم فيه الإقرار بوحدانيته في إنشاءِ البرِية كلها، وتحقيق الربوبية له عليها بقوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} وكل واحد منها يجمع خصال خير الدارين، ويوجب القائل به -عن صدق القلب- درك الدارين.

ثم الوصف للّه -عَزَّ وَجَلَّ- بالاسمين يتعالى عن أن يكون لأَحد من معناهما حقيقة، أو يجوز أن يكون منه الاستحقاق نحو " اللّه " و " الرحمن ".

ثم الوصف بالرحمة التي بها نجاة كل ناج، وسعادة كل سعيد، وبها يتقي المهالكَ كلها مع ما من رحمته خلق الرحمة التي بها تعاطف بينهم وتراحمهم.

ثم الإيمان بالقيامة بقوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} مع الوصف له بالمجد، وحسن الثناء عليه.

ثم التوحيد، وما يلزم العباد من إخلاص العبادة له، والصدق فيها، مع جعل كل رفعة وشرف منالًا به عَزَّ وَجَلَّ.

ثم رفع جميع الحوائج إليه، والاستعانة به على قضائها، والظفر بها على طمأْنينة القلب وسكونه، إذ لا خيبة عند معونته، ولا زيغ عند عصمته.

ثم الاستهداء إلى ما يرضيه، والعصمة عما يغويه في حادث الوقت، على العلم بأنه لا ضلال لأَحد مع هدايته في التحقيق.

والرجاء والخوف من اللّه لا من غيره.

وعلى ذلك جميع معاملات العباد، ومكاسبهم على الرجاء من اللّه تعالى أَن يكون جعل ذلك سببًا به يصل إلى مقصوده، ويظفر بمراده. ولا قوة إلا باللّه.

﴿ ١