٢

قولهُ عَزَّ وَجَلَّ: (الْحَمْدُ للّه (٢)

احتمل: أن يكون جلَّ ثناؤُه حمدَ نفسه؛ ليُعلِم الخلقَ استحقاقَه الحمد بذاته؛ فيَحمَدوه.

فَإِنْ قِيلَ: كيف يجوز أن يحمدَ نفسه، ومثلهُ في الخلق غير محمود؟!

قيل له: لوجهين:

أحدهما: أنه استحق الحمدَ بذاته، لا بأَحدٍ؛ ليكون في ذلك تعريفُ الخلقِ لما يُزلفُهم لديه بما أَثْنَى على نفسه؛ ليُثْنُوا عليه. وغيرُه إنما يكون ذلك له به -جل وعز- فعليه: توجيه الحمد إليه لا إلى نفسه؛ إذ نفسُه لا تستوجبه بها، بل باللّه تعالى.

وقد يتوجه اسم الرب إلى المالك؛ إذ كل من يُنْسب إليه الملك يُسمَّى أنه مالكه، ولا يُسمَّى أنه سيد إلا في بني آدم خاصةً.

واسم الرب يجمع ذلك كلَّه؛ لذلك كان التوجيه إلى المالك أقرب، وإن احتمل المروي عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللّه عَنْهُ - إذ هو في الحقيقة سيدُ من ذُكِر ورَبُّهم. واللّه الموفق.

ثم اختلَف أهلُ التفسير في العَالَمِين:

فمنهم من رد إلى كل ذي روح دب على وجه الأرض.

ومنهم من رد إلى كل ذي روح في الأَرض وغيرها.

ومنهم من قال: للّه كذا، كذا عالم.

والتأويل عندنا ما أجمع عليه أهل الكلام: أن العالَمين: اسم لجميع الأَنام والخلق جميعًا. وقول أَهلِ التفسير يرجع إلى مثله، إلا أَنهم ذكروا أَسماءَ الأَعلام، وأَهل الكلام ما يجمع ذلك وغيرَهم.

ثم العالَم اسم للجميع، وكذلك الخلق، ثم تعريف ذلك بالعالَمين والخلائق يتوجه إلى جمع الجمع، من غير أن يكون في التحقيق تفاوتٌ، وقد يتوجه إلى عالم كل زمان وكذا خلقِ كل زمان على حكم تجدد العالم. وباللّه التوفيق.

وفي ذلك أن اللّه - عَزَّ وَجَلَّ - ادعى لنفسه: رب العالمين كلهم، من تقدم وتأَخر، ومن كان ويكون، ولم يَقْدر أَحد أَن ينطق بالتكذيب، يدّعي شيئًا من ذلك لنفسه؛ فدل ذلك على أن لا رب غيره، ولا خالق لشيء من ذلك سواه؛ إذ لا يجوز أَن يكون حكيم أَو إله ينشئ ويبدع ولا يدعيه، ولا يفصل ما كان منه ما كان لغيره، وبنفسه قام ذلك لا بغيره؛ وعلى ذلك معنى قوله تعالى: {وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خلق} فهذا - مع ما في اتساق التدبير، واجتماع التضاد، وتعلق حوائج بعضٍ ببعض، وقيام منافع بعضٍ ببعض، على تباعد بعضٍ من بعض وتضادها - دليلٌ واضح على أن مدبر ذلك كله واحد، وأَنه لا يجوز كون مثل ذلك من غير مُدبِّر عليم. واللّه المستعان.

* * *

﴿ ٢