٧

وقولَهُ: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} (٧)

على قول المعتزلة: ليس للّه على أحد من المؤمنين نعمة ليست على المغضوب عليهم ولا الضالين؛ إذ لا نعمة من اللّه على أحد إلا الأَصلح في الدِّين والبيان للسبيل المرضي، وتلك قد كانت على جميع الكفرة فيبطل على قولهم الثنْيَا. واللّه الموفق.

ثم اختلف في {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}.

منهم من قال: هو واحد؛ إذ كل ضال قد استحق الغضب عليه، وكل مغضوب عليه استحق الوصف بالضلال.

ومنهم من قال: {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} هم اليهود، وإنَّمَا خصوا بهذا: بما كان منهم من فضل تمرد وعُتُو لم يكن ذلك من النصارى نحو إنكارهم بعيسى، وقصدهم قتله مما لم يكن ذلك من النصارى.

ثم قولهم في اللّه: {يَدُ اللّه مَغْلُولَةٌ. . .} الآية. وقولهم: {لَقَدْ سَمِعَ اللّه قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللّه فَقِيرٌ. . .} الآية. وقول اللّه تعالى فيهم: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ. . .} الآية.

وكفرِهم برسول اللّه - عَزَّ وَجَلَّ - بعد استفتاحهم، وشدة تعنتهم، وظهور النفاق؛ فاستحقوا بذلك اسم الغضب عليهمِ، وإن كانوا شركاء غيرهم في اسم الضلال. وباللّه التوفيق.

وفي هذا وجه آخر: أن يُحْمل الذنوب على وجهين:

منها ما يوجب الغضب -وهو الكفر- ومنها ما يوجب اسم الضلال -وهو ما دونه- كقول موسى: {فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنا مِنَ الضَّالِّينَ}.

ورؤية الهداية لأهلها والتعوذ به من كل ضلال، ومن جميع ما يوجب مقته وغضبه -وباللّه النجاة والخلاص- مع ما في خبر القسمة، وعد جليل من رب العالمين في إجابة العبد مما يرفع إليه من الحوائج، إذْ قال: " قسَمتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نصفين " ثم صَير آخر السورة لعبده، وليس في صلاته سوى إظهار الفقر، ودفع الحاجة، وطلب المعونة، والاستهداء إلى ما ذكر مع التعوذ عما وصف، وليس ذلك مما يوصف به العبد أنه له؛ فثبت أن له في ذلك إجابة ربه فيما أمره به، ووعد ذلك، وهو لا يخلف وعده.

فأنَّى يحتمل ذلك بعد أمره العبدَ بالذي تضمنه أول السورة، فقام به العبد مع لُؤمه

وجفائه، واللّه بكرمه وجوده لا ينجز له ما وعد؟!

لا يكون هذا أَلبتة، وقد قال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، وغير ذلك مما فيه الإنجاز، وأنه لا يخلف الميعاد.

ثم قد جعلت -بما جاء من الحديث في تلاوتها- أنْ قدمها على التوراة، والإنجيل، وعدلها بثلثي القرآن، وجعلها شفاءً من أَنواع الأَدواء للدِّين، والنفس، والدنيا، وجعلها معاذًا من كل ضلال، وملجأ إلى كل نعمة. وباللّه نستعين.

مع ما أَوضح -في الأَسماء التي لقب فيها فاتحة القرآنَ- عظيمَ موقعه، وجليلَ قدره، وهو أن سمَّاه فاتحة القرآن بما به يفتح القرآن، وكذلك رُويَ عن رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يفتتح القراءَة به وسمى فاتحة الكتاب بما به يفتتح كتابة المصاحف والقرآن.

وسمى أُم القرآن لما يؤم غيره في القراءَة.

وقيل: الأُم بمعنى الأَصل، وهو ألا يحتمل شيء مما فيه النسخَ ولا الرفعَ فصار أصلا.

وسمى المثاني؛ لما يثنى في الركعات، ولا قوة إلا باللّه.

وفي قوله: {اهدِنَا} إلى آخره وجهان سوى ما ذكرنا؛ إذ قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} دعاء كاف عما تضمن إلى آخر السورة؛ إذ ليس فيها غير تفسير هذه الجملة.

أحدهما: تذكير نعم اللّه على الذين يقبلون دينه في قلوبهم، والتوفيق لهم بذلك، وأفضاله عليهم بما ليس لهم عليه.

والثاني: تعوذهم عن كل زيغ ومقت، وضلال، وذنب، والتجاؤهم إليه في ذلك بقوله: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}.

* * *

﴿ ٧