١٦قوله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى (١٦) أي: اختاروا الضلالة على المدعو إليه -وهو الهدى- من غير أَن كان عندهم الهدى، فتركوه بالضلالة. وهو كقوله: {يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} من غير أن كانوا فيه، فكذلك الأَول، تركوا الهدى بالضلالة ابتداء. وقيل: الضلالة: الهلاك؛ أي: اختاروا ما به يهلكون على ما به نجاتهم، وإن كانوا لا يقصدون شراء الهلاك بما به النجاة؛ كقولهم: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} لا يقدر أحد أن يصبر على النار، ولكن فما أصبرهم على عمل يستوجبون به النار. وكذلك قوله: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ}، أي: بئسما اختاروا ما به هلاك أَنفسهم على ما به نجاتهم. وفي هذه الآية دلالة جواز البيع بغير لفظة البيع؛ لأَنهم ما كانوا يتلفظون باسم البيع، ولكن كانوا يتركون الهدى بالضلالة. وكل من ترك لآخر شيئًا له ببذل يأخذه منه فهو بيع وإن لم يتكلموا بكلام البيع. وكذلك قوله: {إِنَّ اللّه اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ. . .} الآية. وهو على بذل الأَموال والأَنفس له بالموعود الذي وعد لهم، وهو الجنة. وقوله: {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}. أي: ما ربحوا في تجارتهم؛ لأَن التجارة لا تربح ولكن بالتجارة يربح، وقد يسمى الشيء باسم سببه. وهو كقوله: {جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} والنهار لا يبصر، ولكن بالنهار يبصر. وذلك سائغ في اللغة، جائز تسمية الشيء باسم سببه. ثم في قوله: {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} نفى الربح دون نفى الأَصل في الظاهر، غير أَن النفي على وجهين: نفي شيء يوجب إثبات ضده، وهو نفي الصفة؛ كقولك: فلان عالم: نفيت الجهل عنه، وفلان جاهل: نفيت العلم عنه. ونفي شيء لا يوجب إثبات ضده، وهو نفي الأَعراض؛ لأَنك إذا نفيت لونًا لم يوجب ضد ذلك اللون. وقوله: {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} نفى الأَصل؛ كأَنه قال: بل خسرت تجارتهم، أَوجبت إثبات ضده. دليله قوله: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} و {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. |
﴿ ١٦ ﴾