١٧

وقوله: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّه بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (١٧)

اختلف فيه:

قيل: إنها نزلت في المنافقين؛ لأَنها على أَثر ذكر المنافقين، وهو قوله: (وَإِذَا لَقُوا وحياته لم ينتفع بنور الآخرة وجزائِها.

وكذلك الذي ذهب عنه ضوء البرق يبقى متحيرا؛ إذ به يبصر الطريق كمن يذهب عته بصر القلب؛ إذ به يبصر عواقب الأَشياءِ.

بل الذي قصد السلوك بالبروق، والاستضاءَة بنور النار، إذا ذهب كان أَعظمَ حسرة وأَشد خوفًا من النارِ، وشدةِ المطرِ، وخبثِ الطريق من الذي لم يعرف -في الابتداءِ- نفع النار أَو البرق، ويكره المطر على شدة رغبته فيه، والنار بما ذهب منه.

وكذلك المنافق في الآخرة إن لم يكن منه ما أظهر إذ به يُرد إلى درك الأَسفل، ولا قوة إلا باللّه.

وكذلك الكافر لم يبصر -بما أَعطاه من البصر- عواقب البصر الظاهر، ولا يسمع -بما أَنعم عليه من السمع- عواقب السمع؛ إذ حق ذلك أن يؤدي ذلك ما أَدركه إلى العقل ليعتبر به أَنه لم يخلق شيء من ذلك بالاستحقاق، ولا يحتمل عقله الإحاطة بكنه ما فيه من الحكمة، فيعلم عظم نعمة اللّه وخروج مثله عن العبث، فيقوم بأداءِ شكره؛ وبذلك يصير به إلى الجزاءِ في العواقب، ولا قوة إلا باللّه.

﴿ ١٧