١٨

وقوله عَزَّ وَجَلَّ: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (١٨)

يحتمل وجهين:

أَحدهما: صم؛ لأَنه ختم على آذانهم، وعلى سمعهم، وعلى قلوبهم؛ فلا يسمعون، ولا يبصرون، ولا يعقلون.

ويحتمل: أَنهم صم بكم عمى؛ لما لم ينتفعوا بأسماعهم، وأَبصارهم، وقلوبهم.

ثم اختلف في جواز إضافة لفظ " الاستهزاءِ " إلى اللّه تعالى "

فأجازه قوم، وإن كان ذلك قبيحًا من الخلق؛ لما قبح منهم بما لا أحد يستهزئ بأَحدٍ -إما لجهله، أَو لقبح في الخلقة، أَو لزيادة في الخلق- إلا والمستهزئ نحو هذه قد يحتمل ذلك لولا إنعام اللّه عليه الذي قد أغفل عنه، أَو لدناءة في الخلق باشتغاله بما ذكر، مع ما لعل الإغفال من هذا أوحش، وأَقبح من حال المستهزأ به.

ولذلك قال عَزَّ وَجَلَّ: {لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ. . .} الآية.

وذلك نحو التكبر: أنه قبيح من الخلق، بما لهم أَشكال في الحدث، وآثار الصنعة، واحتمال كل منهم بما احتمل غيره.

وجائِز إضافته إلى اللّه تعالى، لتعاليه عن الأَشباه والأَشكال، وإحالة احتمال ما احتمل غيره، وبه يقول حسين النجار.

وأبَى قوم ذلك إلا على أثر أَحوال تصرف فهم السامع إلى معنى الاستهزاءِ، نحو أن يذكر على أثر فعل له جزاء؛ فيفهم منه جزاءُ الاستهزاءِ كذكر السيئة في الجزاء، والمكر ونحو ذلك.

ثم يخرج ما نحن فيه على أوجه:

أَحدها: ما بينا.

والثاني: ما ينسب إليه فعل المأمور، نحو قول المؤمنين للمنافقين في الآخرة: {ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ} وقول أَهل الجنة، ودعائهم أهل النار بالخروج، لو ثبت ما ذكره الكلبي، وقول الملائِكة: {فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} وغير ذلك.

﴿ ١٨