٢٥

وقوله: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ (٢٥)

الآية تنقض قول من جعل جميع الطاعات إيمانًا؛ لما أثبت لهم اسم الإيمان، دون الأَعمال الصالحات، غير أَن البشارة لهم، وذهاب الخوف عنهم إنما أُثبت بالأَعمال الصالحات.

ويحتمل: الأَعمال الصالحات: عمل القلب، وهو أن يأْتي بإيمان خالص للّه، لا كإيمان المنافق بالقول دون القلب.

وقوله: {أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}.

يعني بساتين.

وقوله: {ومِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} قيل فيه بوجوه:

قيل: إن البساتين ليست هي اسم الأَرض والبقعة خاصة، ولكن ما يجمع من الأشجار، وما ينبت فيها من أَلوان الغروس المثمرة فعند ذلك يسمى بستانًا.

وقوله: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} أي: من تحت أشجارها، وأغراسها الأَنهار.

وقيل: من تحتها: مما يقع البصر عليها، وذلك أَنزه عند الناس، وأَجلى، وأَنبل.

وقيل أَيضًا: من تحتها أَي: من تحت ما علا منها من القصور والغرف، لا تحت الأَرض مما يكون في الدنيا في بعض المواضع يكون الماء تحت الأَرض.

دليله قوله - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " تحت كل شعرة جنابة "؛ أي تحت ما علا، لا تحت الجلد؛ تشبيهًا.

لكن ذلك وهمٌ عندنا؛ لأَن اللّه تعالى هو الأَول بذاته، والآخر بذاته، والباقي بذاته، والجنةُ وما فيها باقية بغيرها.

ولو كان فيما ذكر تشبيه لكان في العالم، والسميع، والبصير تشبيه، ولكان في الخلق أيضًا في حال البقاءِ تشبيه، فإذا لم يكن فيما ذكرنا تشبيه لم يكن فيما تقدم تشبيه.

وأيضًا: فإن اللّه تعالى جعل الجنة دارًا مطهرة من المعايب كلها؛ لما سماها دار قدس، ودار سلام.

ولو كان آخرها للفناءِ كان فيها أَعظم المعايب؛ إذ المرء لا يهنأُ بعيش إذا نغص عليه بزواله؛ فلو كان آخره بالزوال كان نعمة منغصة على أَهلها؛ فلما نزه عن العيوب كلها -وهذا أَعظم العيوب- لذلك كان التخليد لأَهلها أولى بها.

﴿ ٢٥