٥٧

وتظليل الغمام عليهم، وإنزال المن والسلوى من السماءِ لهم، وذلك مما خصوا به دون غيرهم.

ثم ما كان لنا من الموعود في الجنة، فكان ذلك لهم في الدنيا معاينة، من نحو البعث بعد الموت ومن الظل الممدود، والطير المشوي، والثياب التي كانت لا تبلى عليهم ولا تتوسخ؛ فذلك كله مما وعد لنا في الجنة، وكان لهم في الدنيا معاينة يعاينون.

مع ما كان لهم هذا لم يجيبوا إلى ما دعوا، ولا ثبتوا على ما عاهدوا، وذلك لقلة عقولهم، وغلظ أَفهامهم، ونشوئهم على أَخلاق البهائم والدواب، واللّه أعلم.

وقوله: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}.

يحتمل وجهين:

يحتمل: ما لم يكل لهم الفضل على حاجتهم، فأَباح لهم القدر الذي لهم إليه حاجة،

وسماه طيبات.

ويحتمل أَنه سماه طيبات؛ لما لا يشوبه داء يؤذيهم، ولا أَذى يضرهم، ليس كطعام الدنيا مما لا يسلم عن ذلك، واللّه أعلم.

وقد قيل: الطيب هو المباح الذي يستطيبه الطبع، وتتلذذ به النفس.

وقوله: {وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ. . .} الآية.

وقد ذكرنا معنى الظلم فيما تقدم.

وقد يحتمل وجها آخر: وهو النقصان؛ كقوله: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا}، أي: لم تنقص منه.

وحاصل ما ذكرنا: أَن الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، وكل ما ذكرنا يرجع إلى واحد.

﴿ ٥٧