٦٠

وقوله: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ}.

يعني: طلب الماء لقومه عند حاجتهم إليه؛ فأَوحى اللّه - تعالى - إليه: أَن اضرب بعصاك الحجر.

قد ذكرنا فيما تقدم: أَن اللّه - عَزَّ وَجَلَّ - قد أَراهم لمنْ عَصَاهُ آيات عجيبة، من نحو الثعبان الذي كان يتلقف ما يأْفكون؛ كقوله: {فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ}

وقوله: {فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ}.

ومن ضربه البحر بها حتى انفلق؛ كقوله: {فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ}.

ومن ضربه الحجر بها، وانفجار العيون منه، وغير ذلك من الآيات مما يكثر، ذكرها عَزَّ وَجَلَّ من آيات رسالته، وآيات نبُوته.

وفيما أرى منها، من عجيب آياته: دلالةُ حدوث العالم وإبداعه، لا من شيء؛ كان ذلك أَنفع لهم، وأَهون عليهم، من جهة الرعي والربع وسعة المنازل.

وفي الأَول: سبق المعنى الذي وصفنا، واللّه أعلم.

وقوله: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ}.

أي: موردهم.

وفيه دلالة قطع التنازع، ودفع الاختلاف من بينهم؛ لما بين لكل فريق منهم موردًا على حدة.

ولو كان مشتركها لخيف وقوع التنازع والاختلاف بينهم، وفي وقوع ذلك بينهم قطع الأَنساب وألأَرحام، وباللّه التوفيق.

وقوله: {كُلُوا}.

يعني: المن والسلوى.

وقوله: {وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللّه}، من الماءِ الذي أَخرج لهم من الحجر، وكلاهما رزق اللّه، الذي ساقه إليهم، من غير تكلف ولا مشقة.

وقوله: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}.

قيل: لا تسعوا في الأرض بالفساد.

ويحتمل: لا تعثوا، أي: لا تفسدوا؛ لأن العُثُو هو الفساد نفسه، كأَنه قال: لا تفسدوا في الأرض؛ فتكونوا مفسدين.

﴿ ٦٠