١٠٩وقوله: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا (١٠٩) إنهم كانوا يجهدون كل جهدهم حتى يصرفوا ويردوا أَصحاب مُحَمَّد - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عن دين اللّه - الإسلام - إلى ما هم عليه؛ كقوله تعالى: {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ}، وكقوله: {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}، وكقوله: {يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ. . .} الآية. وذلك -واللّه أعلم- لخوفِ فوت رياستهم التي كانت لهم، وذهاب منافعهم التي ينالون من الأَتباع والسفلة، فودوا ردَّهم وصرفهم إلى دينهم. ثم احتجت المعتزلة علينا بظاهر قوله تعالى: {حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ}، قالوا: دلت الآية على أَن الحسد ليس من عند اللّه بما نفاه - عَزَّ وَجَلَّ - عنه، وأَضافه إلى أَنفسهم العلة في الذي لا يكون مخلوقًا، أنه ليس هو من عنده لوجب القول بخلقه ما هو من عنده، ثم لم يقولوا به؛ فَبان أَن ما يقولون فاسد، باطل، ليس بشيء. ثم جهة الحسد ما ذكرنا أنهم أحبوا أن تكون الرسالةُ فيهم، أَو أن يكون من عنده سعَةْ؛ كقوله: {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ}، وكقوله: {لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}؛ فبهذين الوجهين يخرج حسدهم. قوله: {مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم}. أي: من قِبَلِها، لا أَن اللّه - تعالى - أمرهم. وليس يضاف إلى اللّه - تعالى - بأَنه من عنده بما يخلق، ولكن بما يأمر أو يلزم. أَلَا تَرى أَن الأنجاس كلها، والخبائث، والشياطين، كلهم مخلوقة وإن لم يجز نسبتها إلى اللّه - تعالى - بمعنى أنه مِن عنده؟ كذلك ما ذكر من الحسد. على أَنه معلوم أَنهم لم يكونوا يدعون مِنْ دون اللّه خَلْقًا فبذلك الوجه ينكر عليهم، بل كانوا يدعون الأَمر في كل ما نُسب إلى اللّه تعالى؛ فعلى ذلك ورد العقاب، واللّه أعلم. وقوله: {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ}. أي: بين لهم في التوراة أن محمدًا - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - نبي، وإن دينه الإسلام؛ كقوله: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ}. وقوله: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللّه بِأَمْرِهِ}. يحتمل: النهي عن مكافأة ما يؤذونه في الدنيا، ثم لم ينسخ. وقيل: فيه نهي عن قتالهم، حتى يأْتى أَمر اللّه في ذلك، ثم جاءَ بقوله: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللّه. . .} الآية. وقيل: حتى يأتي اللّه بأمره، أي: بعذابه، واللّه أعلم. وقوله: {إِنَّ اللّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} من التعذيب والانتقام، وبكل شيء. ولم ينسخ هذا. |
﴿ ١٠٩ ﴾