١٢٦

وقوله: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا (١٢٦)

قد ذكرنا الوجه في قوله: {آمِنًا}.

وقوله: {وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}.

لما علم أَن المكان ليس بمكان ثمرٍ ولا عُشب دَعَا، وسأَل ربه: أن يرزق أَهله عَطفًا على أَهله، وعلى كل من ينتاب إليه من الآفاق.

ثم خص المؤمنين بذلك؛ لوجوه:

أَحدها: أَنه لما أَمرهما بتطهير البيت عن الأَصنام والأَوثان ظن أَنه لا يجعل لسوى أَهل الإيمان هنالك مقامًا؛ فخص لهم بالدعاءِ، وسؤال الرزق.

والثاني: أَنه أَراد أَن يجعل آية من آيات اللّه؛ ليرغب الكفار إلى دين اللّه، فيصيروا أُمة واحدة؛ فكان كقوله: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ. . .}.

ووجه آخر قيل: لما كان قيل له: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} فلعله خشي أَن يخرج ذلك مخرج المعونة لهم على ما فيه العصيان.

وفي ذلك: أن لا بأْس ببيع الطعام من الكفرة. ولا يصير ذلك كالمعونة على ما هم عليه.

ويحتمل الدعاءُ المبهم للكفرة: القبحَ؛ إذ ذلك اسم من يعبد غير اللّه.

وقوله: {قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا}.

بالنعم؛ لأن الدنيا دار محنة، لا توجب النظر إلى المستحق للنعم من غير المستحق، ولا إلى الولي من العدو في الدنيا.

وأما الآخرةُ فهي دار جزاء، ليست بدار محنة؛ فيوجب النظر إلى المستحق للنعم من غير المستحق.

ومعنى قوله: {قَلِيلًا} لأن الدنيا كلها قليل.

ثم الامتحان على وجهين: امتحانٌ بالنعم، وامتحان بالشدائد.

وقد قرئ: " فأمْتِعْه " على معنى دعاءِ إِبراهيم - عليه السلام - " ومن كفر فأمتِعْه " بالجزم.

فَإِنْ قِيلَ: لم لا كان تفاضل الامتحان بتفاضل النعم.

وإنما يعقل فضل الامتحان بفضل العقل، ويعلم أَن المؤمن هو المفضَّل بالعقل.

كيف لا وقع فضل ما به يمتحن -وهو النعم- لأَن العقل الذي به يدرك الحق واحد، لا تفاضل فيه لأَحد.

ثم العقل الذي به يمتحن واحد؛ فهما متساويان -فيما به دَرْكُ الحق- إلا أَن أحدهما يدركه فيتبعه، والآخر يدركه فيعانده. فهو -من حيث معرفته- ذو عقل، أعرض عنه؛ فيسمى معاندًا، إذ من لا عقل له يُسمى مجنونًا.

وقوله: {ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ}.

ذكر الاضطرار، وهو كقوله: {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ} وهو السوق، وكقوله: {وَنَسُوقُ الْمُجرِمينَ}، إِنهم يساقون إليها، ويُدَعون، لا أنهم يأتونها طوعًا واختيارًا.

وقوله: {وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}.

أي: بئس ما صاروا إليه.

﴿ ١٢٦