١٤٣

وقوله: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا (١٤٣)

{وَكَذَلِكَ}، لا يتكلم رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إلا على العطف على ما سبق من الخطاب، وهو - واللّه أعلم - معطوف على قوله: [{قُولُوا آمَنَّا بِاللّه وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ. . .}] الآية، كأنه قال: كما وفقكم على الإيمان بما ذكر، وهداكم للإسلام، كذلك جعلكم {أُمَّةً وَسَطًا} يعني عدلًا، {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}.

يوجب اختلافًا في الدِّين وتفرقًا فيه.

فنقول: إن الإيمان في الأصل الذي لا يقع على اعتقاد الصلاة إلى جهة دون جهة، بل يقع على الائتمار. فالإيمان من الصحابة، رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين، الذين ماتوا كان على اعتقاد الائتمار فهم مؤمنون باعتقاد الائتمار إلى بيت المقدس، مؤمنون باعتقاد الائتمار إلى الكعبة. فلا تفرق ولا اختلاف في الإيمان، إذ في الأصل به وقع الاعتقاد للائتمار. وباللّه التوفيق.

ثم قوله: {وَمَا كَانَ اللّه لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} تأويله: أي لا يضيع إيمانكم بالصلاة إلى بيت المقدس. ولو كان على الصلاة فهو لوجهين:

أحدهما: أنها إنما قامت بالإيمان، فهو سبب لها، وقد يذكر الشيء باسم سببه.

والثاني: أن اليهود عرفوه إيمانا، فورد الخطاب على ما عندهم معروف؛ كقوله: {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ}، لا أن كان ثم آلهة، لكن لما عندهم، وكذلك قوله: {فَتَبَارَكَ اللّه أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}، لا أن كان ثم خالق سواه، ولكن لما عرفوا كل صانع خالقًا، فخرج على الخطاب على ما عرفوا هم ذلك الأول. واللّه أعلم.

* * *

﴿ ١٤٣