٢٢٠

وقوله: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ (٢٢٠)

كأن في السؤال إضمارًا؛ لأنه قال: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى}، ولم يبين في أي حكم، وإضماره - واللّه أعلم - أن يقال: يسألونك عن مخالطة اليتامى. يبين ذلك قوله: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} أن السؤال كان عن المخالطة.

وكذلك قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ}، ولم يبين في أي حكم، فكأنه قال: يسألونك عن شرب الخمر والعمل بالقمار والميسر، ثم قال: {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ}، دل قوله: {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} أن السؤال كان عن شرب الخمر والعمل بالميسر. وهذا جائز في اللغة، وفي القرآن كثير أن يكون في الجواب بيان السؤال أنه عما كان وإن لم يذكر في السؤال؛ كقوله: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّه يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} دل ما ذكر من الفتيا أن الاستفتاء كان عن الميراث. وكذلك قوله: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللّه يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ}، دل قوله: {وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ} أن السؤال كان عن نساء اليتامى. وهذا جائز، وربما يخرج الجواب على إثر نوازل، فيعرف مراده بالنوازل دون ذكر السؤال.

ثم السؤال يحتمل وجهين:

يحتمل: أن يكون عن مخالطة الأموال والأنفس جميعًا بقوله: {قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ}، فإنما حملهم - واللّه أعلم - على سؤال المخالطة، ما قيل: لما نزل قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}،

وقوله: {فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا} أشفق المسلمون من خلطة اليتامى، فعزلوا لهم بيتا، وعزلوا طعامهم وخدمهم وثيابهم، فشق ذلك عليهم جميعًا، فسألوا عن ذلك رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فنزلت هذه يستوجب بعضهم قبل بعض المعونة لهم والحفظ والصلاح، كقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللّه لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}. دل قوله: {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}، على أن الصغير قد يعق والديه في أمر الدِّين، ويجوز منهم التدين إذا عقلوه وإن لم يكونوا بلغوا. واللّه أعلم.

ثم أوعدهم عَزَّ وَجَلَّ بقوله:

{وَاللّه يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ}.

أي - واللّه أعلم - يعلم طالب النفع والنظر لهم من طالب الفساد والإسراف في أموالهم.

وقوله: {وَلَوْ شَاءَ اللّه لَأَعْنَتَكُمْ}.

قيل: يضيق عليكم، ولم يأذن لكم بالمخالطة معهم.

وقيل: لأعنتكم، فلم يرض لكم في الخلطة.

وقيل: لأحرجكم. وهو واحد.

وأصل العنت: الإثم، كقوله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ}، يعني: أثمتم.

وقوله: {إِنَّ اللّه عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.

فيه وعيد لهم على ما ذكرنا. واللّه أعلم.

* * *

﴿ ٢٢٠