٢٤٦

وقوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّه ... (٢٤٦).

في هذه الآية والتي قبلها قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ} دلالة إثبات رسالة مُحَمَّد عليه أفضل الصلوات وأكمل التحيات؛ لأن القصة فيهم كانت ظاهرة في أهل الكتاب، ورسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لم يختلف إلى أحد منهم، ولا نظر إلى كتبهم، ثم أخبر على ما كان، دل أنه إنما عرف ذلك باللّه عَزَّ وَجَلَّ.

ثم فيه دلالة: أن كل نبي منهم كان إنما يشاور الأشراف من قومه والرؤساء منهم، وإليهم يصرف تدبير الأمور، ولا إلى السفلة منهم والرُّزالة.

وفيه دلالة أيضًا: أن الأنبياء، صلوات اللّه عليهم وسلامه، لم يكونوا يتولون الجهاد والقتال بأنفسهم، ولكن الملوك هم الذين يتولون ذلك. ثم الملوك هم الراجعون إلى تدبيرالأنبياء والرسل، عليهم الصلاة والسلام، في أمر الدِّين والآخرة، حيث سألوا (ملكا) يقاتلون معه عدوهم.

ذكر أن كفار بني إسرائيل قهروا مؤمنيهم فقتلوهم وسبوهم وأخرجوهم من ديارهم وأبنائهم، فمضوا زمانًا ليس لهم ملك يقاتل عدوهم، فقال النبي لهم، وهو من نسل هارون ابن عمران أخى موسى: {ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ} عدونا، فقال لهم نبيهم: {هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا} استخبار عن سؤالهم الذي سألوا، أحق هو أم شيء أجروه على ألسنتهم من غير تحقيق، لئلا يستوجبوا العذاب بتركهم ذلك إذا أجيبوا وأعطوا ما سألوا وتمنوا؛ لما عرف من شدة القتال مع العدو والجهاد في سبيل اللّه، وكراهية ذلك في كل قوم إلى أن بينوا أنهم عن حق سألوا لما تبينوا العلة التي حملتهم على ذلك، وغاية رغبتهم فيها، وما لأجله كان السؤال، إن قالوا: {وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّه وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا}، من القتل، وأخذ الأموال وسبي الذراري.

قوله تعالى: {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ}، أي: فرض، {تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ}، فيه دلالة على أنه قد كان فيهم ما كان في هذه من قوله: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ}، من كراهية القتال والجهاد في سبيل اللّه.

وقيل: {تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ}، وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر نفرًا لم يتولوا عما سألوا. ثم قال لهم نبيهم.

﴿ ٢٤٦