٢٥٣

قوله: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}

يحتمل: تفضيل بعضهم على بعض ما ذكر {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللّه}، ومنهم من اتخذه خليلا، ومنهم من سخر له الريح والطير، ما كان في الأنبياء مثله.

ويحتمل: {بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}، في الحجاج، والحجج على القوم؛ لأن فيهم من كان أكثر محاجة لقومه وأعظم حججا، وهو إبراهيم، صلوات اللّه عليه وسلامه، وموسى.

ويحتمل: " التفضيل " التمكين في الأرض، مكن لبعضهم ما لم يكن للباقين.

ويحتمل: ذلك في الآخرة في الشفاعة، ورفع الدرجات.

ويحتمل: {بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}، في الرسالة؛ لأن منهم من أرسل إلى الإنس والجن جميعًا، ومنهم من أرسل إلى الإنس خاصة، ومنهم من أرسل إلى قومه خاصة، ومنهم من أرسل إلى نفر. واللّه أعلم.

وقد ذكرنا ألا يكون من اللّه تفضيل لبعض الرسل على بعض على قول المعتزلة؛ لأنه فعل ما عليه أن يفعل، وكل من فعل ما عليه أن يفعل، فإنه لا يوصف بالفضل والإفضال؛ دل أنه ليس على ما يقولون ويذهبون إليه.

وقوله: {وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ}، قد ذكرناه فيما تقدم.

وقوله: {وَلَوْ شَاءَ اللّه مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ} هذه الآية والآيتان من بعدها - قوله: {وَلَوْ شَاءَ اللّه مَا اقْتَتَلُوا}،

وقوله: {وَلَكِنَّ اللّه يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}، على المعتزلة. لأنه أخبر أنه لو شاء ألا يقتتلوا ما اقتتلوا. وهم يقولون: شاء ألا يقتتلوا، ولكن اقتتلوا. والاقتتال هو فعل اثنين، وفيهم من اقتتل ظالما، وفيهم من اقتتل غير ظالم، دليله قوله: {وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ}، ثم قال: {وَلَوْ شَاءَ اللّه مَا اقْتَتَلُوا}، أخبر أنه لو شاء ألا يقتتلوا ما اقتتلوا وأخبر أنه يفعل ما يريد ثبت الفعل في الإرادة وهم يقولون لا يفعل ما يريد.

وكذلك قوله {وَلَوْ شَاءَ اللّه مَا اقْتَتَلُوا} أخبر أنه لو شاء ما اختلفوا وهم يقولون: شاء ألا يختلفوا ولكن اختلفوا ثم لا يجوز صرف الآية إلى مشيئة القسر والجبر؛ لأن المشيئة التي ذكرها اللّه تعالى معروفة في الناس فلا يجوز صرفها إلى غير المشيئة المعروفة إلا بعد تقدم ذكر أو بيان أنها هي المرادة

وقوله: {مَا اقْتَتَلُوا} ولا اختلفوا فجعلهم على أمر واحد ودين واحد كقوله: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً}، والمعتزلة يقولون: شاء أن يصيروا أمة واحدة ولكن لم يصيروا فنعوذ باللّه من السرف في القول والقول في اللّه بما لا يليق به.

﴿ ٢٥٣