٨قوله تعالى: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللّه لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (٩) وقوله: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} فيه وجهان على المعتزلة: أحدهما: أنه أضاف الزيغ إلى نفسه، وهو حرف مذموم عند الخلق، إذا قيل: فلان أزاغ فلانًا عن الحق، فإذا أضاف اللّه - عَزَّ وَجَلَّ - إلى نفسه حرف الزيغ، دل أن فيه معنى سوى ظاهره؛ حتى جاز إضافته إليه، وهو أن خلق منهم فعل الزيغ، وكذلك هذا في الضلال، وأضاف -أيضًا- الهداية إلى نفسه بقوله: {بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}، فلو كان الهدى: البيان؛ على ما يقوله المعتزلة، لجاز أن يضاف ذلك إلى رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ إذ هو يملك البيان؛ لأنه بعث مبينًا معلمًا، فإذا لم يجز ذلك دل أن فيه معنى سوى البيان وهو التوفيق والعصمة؛ حتى جاز إضافته إليه، ولا يجوز إلى غيره، واللّه الموفق. والثاني: أنهم سألوا العصمة عن الزيغ والضلال، فلو كان عليه أن يفعل، وأن يبذل لهم العصمة، لم يكن للسؤال عن ذلك معنى؛ فدل أنه تفضل منه ببذل ذلك لهم، واللّه أعلم. قال الشيخ - رحمه اللّه - في قوله: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا} الآية: فيه وجهان: أحدهما: أنه لو لم يكن له إلا الأصلح في الدِّين؛ فتركه جور، فالقول بـ {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا} - لا يخلو من أن يكون الإزاغة أصلح له، وهو يدعو بأن يجور أو لا يكون أصلح، فهو يدعو بأنه لا يجور، ومُحَالٌ الدعاء على خوف الجور؛ ومن خاف جور الخالق فهو غير عارف به. والثاني: أن الداعي -فيما جبل عليه الخلق- يدعو على أمر أنه لو أجابه لكان لا يزيغ قلبه، وكذلك سؤال العصمة والهداية؛ ولهذا يؤمر به -أيضًا- ولو كان معه زيغ، لكان الأفضل في الأمر بين الدعاء بالإزاغة، وأن " لا تزغ "؛ إذ الخوف مع الأمرين قائم، واللّه الموفق. وفي ذلك -أيضًا- وجهان آخران: أحدهما: أن الإزاغة إذا أضيفت إلى أحد، خرجت مخرج الشتم له والتعيير؛ فثبت أن فيما أضيفت إلى اللّه - تبارك وتعالى - معنى ليس فيما أضيفت إلى أحد آخر غيره، وهو - واللّه أعلم - أن الإزاغة من كل أحد فعل هو زيغ بنفسه فيه ذم، ومن اللّه ليست بذم؛ فيكون فيه أن خلق فعل الزيغ ليس بزيغ، وإن كان فعله زيغا، واللّه أعلم. وفيه أن خلق الشيء ليس هو ذلك، والشيء ذاته يكون من اللّه ما يوصف بالإزاغة، ويصير لديه الآخر زائغا، ولا شيء يوجد يكون كذلك سوى خلق فعل الإزاغة من العبد، واللّه الموفق. والثاني: قوله: {بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}: ولو لم يكن من اللّه في الهداية سوى البيان، لكان يصح ذلك لكل كافر، ويجوز الإضافة إلى الرسل؛ فإذ لم يصح ذلك ولم يجز، ثبت أن ثم فضلاً، وهو خلق فعل الهداية، والتوفيق الذي معه الاهتداء لا محالة، وباللّه التوفيق والمعونة. وقوله: {وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً}: يحتمل وجوهًا: يحتمل الهدى والإسلام؛ إذ به يستفاد. ويحتمل الجنة. ويحتمل أنهم سألوه كل رحمة. قال أبو بكر الأصم: الرحمة: السعة في الدنيا، والثواب في الآخرة. وقوله: {إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}: فهو -على قول المعتزلة- ليس بوهاب؛ لأن الوهاب هو الْمُفْضِل الذي يهب ويبذل ما ليس عليه، وهو - على قولهم - عليه أن يعطي الخلق كل ما هو أصلح لهم في الدِّين؛ فالآية تكذبهم، وترد عليهم قولهم الوَخْش في اللّه، تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرًا. ويحتمل: هب لنا ما يُستوجب به الرحمة، وهو عمل الخير؛ كقوله: {إِنَّ رَحْمَتَ اللّه قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}. |
﴿ ٨ ﴾