٢٠وقوله: (فَإِنْ حَاجُّوكَ (٢٠) ولم يقل: في ماذا يحاجوك؟ فيحتمل - واللّه أعلم - أن يكون هذا. ما علم اللّه أنهم لا يؤمنون ولا يقبلون الحجة - أمره بترك المحاخة بقوله: {فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للّه}؛ وكذلك: من اتبعني أسلموا أنفسهم للّه؛ كقوله: {وَتَوَلَّى عَنْهُم} {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ}، أيأسه عن إيمانهم، وأمره بترك المحاجة معهم. وقوله: {فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للّه}: أي: أخلصت. ثم يحتمل قوله: {وَجْهِيَ للّه}، أي: نفسي للّه لا أشرك فيها أحدًا، ولا أجعل لغير اللّه فيها حقا، على ما جعل الكفار في أنفسهم شركاء وأربابًا. قال الشيخ - رحمه اللّه -: وقيل: الإسلام أن يجعل نفسه بكليتها للّه - تعالى - سالمة، لا شركة فيها لأحد؛ كما قال: {وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ}، والإيمان: هو التصديق لشهود الربوبية للّه من نفسه وغيره؛ لأنه ما من شيء إلا وفيه شهادة الربوبية. وقوله: {وَمَنِ اتَّبَعَنِ}: أي: ومن اتبع ديني، فقد أسلموا أنفسهم للّه تعالى، أيضًا، لم يشركوا فيها شركاء وأربابًا. ويحتمل قوله: {وَجْهِيَ للّه}، أي: أسلمت أمر ديني وعملي للّه؛ وكذلك من اتبعني واتبع ديني، فقد أسلموا أعمالهم وأمورهم للّه؛ كقوله - أتعالى، -: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللّه إِنَّ اللّه بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}، وفي حرف ابن مسعود رَضِيَ اللّه عَنْهُ، " ومن اتبعني " أي: ومن معي. وقوله: {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ}: قيل: الذين أوتوا الكتاب: اليهود والنصارى، والأميين: العرب الذين لا يقرءون الكتاب، ولا لهم كتاب. {أَأَسْلَمْتُمْ} أنتم للّه؛ كما أسلمت أنا وجهي للّه، ومن اتبعني. {فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا}: وأخلصوا وجوههم للّه وأعمالهم. {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ}: أي: فإن أبوا أن يسلموا فليس عليك إلا البلاغ كقوله - تعالى -: {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ} وكقوله: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ}، وكقوله: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ}. وقوله: {وَاللّه بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}: هو حرف وعيد. قيل: {بَصِيرٌ}: غير غافل. وقيل: بصير بجزاء أعمالهم. وقيل: بصير بما أسروا وأعلنوا، وفي كل وجه وعد ووعيد. قال الشيخ - رحمه اللّه - في قوله: {فَإِنْ حَاجُّوكَ}: ولم يبين في ماذا، فقد يجوز ترك الإخبار عن القصة بوجهين: أحدهما: بعلم أهله. والثاني: بما في الجواب؛ دليله: قوله: {يَسْتَفتُونَكَ}، {يَسْأَلُونَكَ} في غير موضع، على غير البيان أنه عن ماذا؟ وهو - واللّه أعلم - داخل تحت ذينك الوجهين. ثم يحتمل أن تكون المحاجة قد كثرت فيما قال: {فَإِنْ حَاجُّوكَ}، والحجة قد ظهرت فيه؛ فكانوا يعودون إليها مرة بعد مرّة؛ عود تعنت وعناد؛ فأكرم اللّه رسوله بالإعراض عن محاجتهم، ذلك كما ظهر تعنتهم فقال: {فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للّه} على الإعراض عن محاجتهم، واللّه أعلم. وعلى ذلك يخرج معنى الأمر بالتولي عنهم في غير موضع. ويحتمل أن تكون المحاجة في عبادة الواحد القهار والأوثان التي كانوا يعبدونها من دون اللّه؛ فبين - جل ثناؤه - في ذلك بالذي يقول لهم هو ومن اتبعه على ذلك؛ نحو قوله: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}، وقوله: {لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ} الآية، ونحو ذلك، واللّه أعلم. * * * |
﴿ ٢٠ ﴾