٢٧

وقوله: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} إلى آخره: يحتمل وجهين: يحتمل أن تؤتي ابتداء من غير أن كان آتاهم مرة؛ وكذلك تنزع -أي تمنع- ابتداء من غير أن كان آتاهم، ثم ينزع؛ كقوله: {رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ}، رفع ابتداء من غير أن كانت موضوعة فرفعها؛ وكقوله: {يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}، إخراج الابتداء، لا أن كانوا فيها ثم أخرجهم، فعلى ذلك هذا، وعلى ذلك قوله: {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} إيلاج ابتداء، لا أن كان أحدهما في الآخر؛ كقوله - تعالى -: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللّه عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}، و {النَّهَارَ سَرْمَدًا}، أخبر أنه لم يجعل واحدًا منهما مؤبدا؛ وكذلك قوله: {وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} إخراج ابتداء؛ أن يخلق الحي من الميت ابتداء، ويخلق الميت من الحي من غير أن كان فيه؛ ويحتمل هذا كله أن كان يؤتي الملك بعد أن لم يكن، ويعزّ بعد الذل، وينزع الملك بعد أن كان، ويذل بعد أن كان العز؛ وكذا قوله: (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ (٢٧) أن يدخل بعض هذا في هذا، وهذا في هذا.

وقوله: {وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ}: قيل: أن يخرج حي الأقوال من ميت الأفعال، وميت الأفعال من حي الأقوال، يخرج المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن؛ على ما سمى اللّه - تعالى - الكافر ميتًا، والمؤمن حيًّا في غير موضع من القرآن.

وقيل: يخرج حي الجوهر من ميت الجوهر، وميت الجوهر من حي الجوهر.

وقيل: يخرج الحي من المني، ويخرج المني من الحي.

وقيل: البيضة من الحي، والحي من البيضة.

وقيل: النخلة من النواة، والنواة من النخلة، والحبة من السنبلة، والسنبلة من الحبة.

وقوله: {وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.

قيل: {بِغَيْرِ حِسَابٍ}: يعرف الخلق عدده ومقداره.

وقيل: بغير تبعة ولا طلبة؛ أي: لا يحاسبهم فيما أعطاهم من بعد ما أعطاهم.

ويحتمل: {بِغَيْرِ حِسَابٍ}، أي: لا يعطيهم بحساب أعمالهم، ولكن بتفضل، خلافًا للمعتزلة.

ويحتمل: {بِغَيْرِ حِسَابٍ}: في الآخرة.

وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللّه عَنْهُ -: " بغير هنداز - فارسية معربة ".

وعن مقاتل: " لا يقدر ذلك غيره؛ يقول: ليس فوقي ملك يحاسبني، أنا الملك أُعطي من شئت بغير حساب، لا أخاف من أحد يحاسبني ". واللّه أعلم.

* * *

﴿ ٢٧