٣٠

وقوله: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا}:

قيل: تجد ثواب ما عملت من خير حاضرًا؛ لأن عمله إنما كان للثواب لا لنفس العمل.

{وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا}:

يحتمل: ما عملت من سوء تجده مكتوبًا يتجاوز عنه؛ لأن اللّه - عَزَّ وَجَلَّ - وعد المؤمنين، وأطمع لهم قبول حسناتهم، والتجاوز عن سيئاتهم؛ كقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ}؛ فيجد المؤمن ثواب ما عمل من خير حاضرًا، ويتجاوز عن مساوئه. وأمَّا الكافر: فيجد عقاب ما عمل من سوء في ْالدنيا؛ كقوله: {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا}، فلا يتجاوز عنهم، ويبطل خيراتهم.

وقوله: {أَمَدًا بَعِيدًا}:

قيل: بعيدًا من حيث لا يرى.

وقيل: بعيدًا تودّ: ليت أن لم يكن، ما من نفس مؤمنة ولا كافرة إلا ودّوا البعد عن ذنبه، وأنه لم يكن.

{وَيُحَذِّرُكُمُ اللّه نَفْسَهُ}: قد ذكرناه.

وقوله: {وَاللّه رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}:

إن أراد رأفة الآخرة -يعني بالمؤمنين خاصة، وإن أراد رأفة الدنيا- فهو بالكل.

قال الشيخ - رحمه اللّه - في قوله: {وَاللّه رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}: فالرحمة من اللّه - جلّ ثناؤه - والرأفة نوعان:

أحَدهما: في حق الابتداء، أن خلق خلقًا ركب فيهم ما يميزون به بين مختلف الأمور، ويجمعون بين المؤتلف، ثم لم يأخذ كلا منهم بما استحق من العقوبة؛ بل رحم وأمهل للتوبة والرجوع إليه، وهذه الرحمة رحمة عامة لا يخلو عنها عبد. ورحمة في حق الجزاء؛ من التجاوز والمغفرة وإيجاب الثواب للفعل، فهذه لا ينالها أعداؤه؛ لما يوجب التجهيل في التفريق بين الذي جعل في العقول التفريق؛ ولما يكون وضع الإحسان في غير أهله، والإكرام لمن لا يصرف الكرم به؛ ولما في الحكمة تعذيبهم تخويفًا وزجرًا عما يختارون، وينالها من تقرب واعتقد الموالاة، وكان هو أعظم في قلوبهم وطاعته من جميع لذَّات الدارين، وإن كانوا يبلون بالمعاصي على الجهالة، أو على رجاء الرحمة والعفو؛ إذ هو كذلك في شرطهم الذي به والوه، وبالغلبة، واللّه أعلم، فهي رحمة خاصة، أي: هي بالمؤمنين، وبالعباد الذين بذلوا أنفسهم له بالعبودة بحق الاختيار، وإن كانوا يغلبون على ذلك في أحوال، واللّه الموفق.

﴿ ٣٠