٣٣وقوله: {إِنَّ اللّه اصْطَفَى آدَمَ}: اختلف فيه؛ قيل: {اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا} ومن ذكر لرسالته ولنبوته. وقيل: اختارهم لدينه، وهو الإسلام. وقيل: اختارهم في النية والعمل الصالح والإخلاص للّه. قال الشيخ - رحمه اللّه -: الاصطفاء: أن يجعلهم أصفياء من غير تكدر بالدنيا، وغيرهم اختارهم لأمرين: لأمر الآخرة، ولأمر المعاش؛ ألا ترى إلى قوله: " إِنَا مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ؛ نَمُوتُ مَوْتَ العَئبدِ لِسَيِّدِه ". وقال الشيخ - رحمه اللّه - أيضًا في قوله: إن اللّه اصطفى من ذكر: فهو - واللّه أعلم - ذكر اللّه أولياءه وأهل صفوته، ثم أعداءه وأهل الشقاء؛ ترغيبًا فيما استوجبوا الصفوة؛ وتحذيرًا عما به صاروا أهل الشقاء؛ إذ هما أمران يتولَّدان عن اختيار البشر، ويقومان بأسبابهما أهل المحن، لا بنفس الخلقة والجوهر؛ فصار الذكر للمعنى الذي ذكرت؛ وعلى ذلك وجه ذكر عواقب الفريقين في الدنيا، وما إليه يصير أمرهم في المعاد؛ وعلى هذا ما ضرب اللّه من الأمثال بأنواع الجواهر الطيبة والخبيثة في العقول والطبائع ترغيبًا وترهيبًا؛ وعلى هذا جميع أمور الدنيا، أنها كلها عبر ومواعظ، وإن كان فيها شهوات ولذات، وآلام وأوجاع؛ ليعلم أنها خلقت لا لها لكن لأمر عظيم، كان ذلك هو المقصود من مدبر العالم أن بالعواقب يذم أهل الاختبار ويحمدون؛ فجعل اللّه عواقب الحكماء وأهل الإحسان حميدة لذيذة؛ ترغيبًا فيها، وعواقب السفهاء وأهل الإساءة دميمة وجيفة؛ تزهيذا فيها؛ فخرج جميع فعل اللّه على الحكمة والإحسان، وإن كانت مختلفة في اللذة والكراهة؛ لأنه كذلك طريق الحكمة في الجزاء، وفي ابتداء المحنة، إلا أن المحنة تكون مختلفة، والجزاء نوع لما هو كذلك في الحكمة والإحسان؛ إذ كذلك سبق من أهله الاختيار والجزاء على ما اختاره من له وعليه حكمة وإحسان؛ أعني: بالإحسان فيما يجوز الامتحان بلا جزاء بحق الشكر لما أولى وأبلى، والحكمة فيما كان لازمًا ذلك في التدبير، ولا قوة إلا باللّه. |
﴿ ٣٣ ﴾