٥٥وقوله: (إِذْ قَالَ اللّه يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ (٥٥) اختلف فيه: قيل: هو على التقديم والتأخير: ورافعك إليَّ، ثم متوفيك بعد نزولك من السماء، ولكن هو التقديم والتأخير، ولم يكن في الذكر فهو سواء؛ لأنا قد ذكرنا أنْ ليس في تقديم الذكر، ولا في تأخيره ما يوجب الحكم كذلك؛ لأنه كَمْ مِنْ مُقَدَّمٍ في الذكر هو مؤخَّر في الحكم، وكم من مؤخَّر في الذكر هو مقدَّم في الحكم، فإذا كان كذلك: لم يكن في تقديم ذكر الشيء، ولا في تأخيره - ما يدل على إيجاب الحكم كذلك؛ كقوله: {اللّه يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا}: فإنما هو قبض الأرواح؛ فيحتمل الأول كذلك، ويحتمل توفي الجسم، أي: متوفيك من الدُّنيا، أي: قابضك، وليس بوفاة موت. وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللّه عَنْهُ -: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ}، أي: مميتك وهو ما ذكرنا؛ ليعلم أنه ليس بمعبود. وقوله: {وَرَافِعُكَ إِلَيَّ}: هو على تعظيم عيسى - عليه السلام - ليس على ما قالت المشبهة؛ بإثباتها المكان له؛ لأنه لو كان في قوله: {وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} يوجب ذلك، يجب أن يكون أهل الشام أقرب إليه؛ لأن إبراهيم - عليه السلام - قال: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ}، والكفرة إليه قريب منه؛ كقوله: {ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ}؛ دل هذا أن ما قالوا خيال فاسد - تعالى اللّه عما يقول الظالمون علوا كبيرًا - ولكن على التعظيم والتبجيل، أعني: المضاف إليه. والأصل في هذا: أن الخاص إذا أضيف إلى اللّه فإنما يراد به تعظيم ذلك الخاص؛ نحو ما قال: " بيت اللّه "؛ على تعظيم البيت، {نَاقَةَ اللّه}؛ فهو على تعظيم الناقة، ونحوه مما يكثر وقوعه. وإذا أضيف الجماعة إليه، فهو على إرادة تعظيم الربِّ - جل ثناؤه - نحو: {رَبِّ الْعَالَمِينَ}، {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، ونحوه؛ كله على إرادة تعظيم الربِّ، جل ثناؤه. وقوله: {وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا}: قيل فيه بوجوه: قيل: مطهرك من أذى الكفرة، من بين أظهر المخالفين لك. وقيل: ومطهرك من الكفر والفواحش، ويحتمل: مطهرك مما قالوا فيك. وقوله: {وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا} يحتمل: يجعله فوق الذين كفروا بالقهر والغلبة والقتل، ويحتمل: بالحجة، ويحتمل: في المنزلة والدرجة في الآخرة. ويحتمل قوله: {وَمُطَهِّرُكَ} بقتل الكفرة من وجه الأرض؛ على ما ذكر في بعض القصة: أنه ينزل من السماء، فلا يبقى على وجه الأرض كافر إلا وهو يقتله مع الذين اتبعوه؛ فذلك تَطْهِيرُهُ وَجَعْلُ الذين اتبعوه فوق الذين كفروا. وقوله: {ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ} ذكر هذا - واللّه أعلم - وإن كان المرجع للكل إليه في كل حال؛ لأنهم يُقِرُّونَ ويعترفون في ذلك اليوم أن المرجع إليه، وكانوا ينكرون ذلك في الدُّنيا؛ وهو كقوله: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ للّه}، الملك كان في ذلك اليوم وفي غير ذلك اليوم، ولكن معناه: لا ينازعه أحد يومئذ في ملكه، ويقرون له بالملك، وفي الدُّنيا أنكروا ملكه؛ وهو كقوله: {وَبَرَزُوا للّه جَمِيعًا}، كلهم بارزون للّه في كل وقت؛ لكنهم أنكروا بروزهم في الدنيا له؛ فيقرون يومئذ بالبروز له؛ فكذلك الأول، واللّه أعلم. وقوله: {فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}. يحتمل: أحكم بينكم مَنِ المحقُّ منكم، ومَنِ المبطلُ. ويحتمل: أحكم بينكم: أي: أجزيكم على قدر أعمالكم. ويحتمل: أحكم بينكم أي، أجزي كلا بعمله على ما يستوجبون. |
﴿ ٥٥ ﴾