٧٧

وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّه}:

قيل: عهد اللّه: أمره ونهيه.

يحتمل هذا العهد فيما عهدوا في التوراة ألا يكتموا نعته وصفته؛ ولكن يظهرون ذلك للناس ويقرون به.

{وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا}:

أيمانهم التي حلفوا كذبًا أن ليس نعته وصفته فيه؛ مخافة ذهاب منافعهم.

ويحتمل: أن حلفوا كذبًا، فأخذوا أموال الناس بالباطل والظلم؛ وعلى ذلك روي عن رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ؛ لِيَقطَعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسلِم لَقِيَ اللّه - تعالى - وَهُوَ عَلَيهِ غَضْبَانُ " وتلا هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّه وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا. . .} الآية.

والعهد والأيمان سواء؛ ألا ترى إلى قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللّه إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ. . .}، الآية.

ويحتمل عهد اللّه: ما قبلوا عن اللّه، وما ألزمهم اللّه، والأيمان: ما حلفوا، واللّه أعلم.

وقوله: {أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ}:

أي: لا نصيب لهم في الآخرة مما ذكروا أن لهم عند اللّه من الخيرات والحسنات؛ كقوله: {فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}.

وقوله: {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللّه}:

يحتمل وجهين:

يحتمل: أنه أراد بذلك كلام الملائكة الذين يأتون المؤمنين بالتحية والسلام من ربهم؛ كقوله: (وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (٢٣) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (٢٤).

وقوله: (لا تكلمهم) الملائكة؛ على ما تكلم المؤمنين، أضاف ذلك إلى نفسه، على ما ذكرنا فيما تقدم من إضافة النصر إليه على إرادة أوليائه؛ فكذلك هذا، أو أن يكون اللّه - عَزَّ وَجَلَّ - كان قد كلمهم بتكليم الملائكة إياهم؛ لأنهم رسله؛ فكان كقوله: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّه إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا}: صيره ببعث الرسل كأنْ قد كلمهم هو؛ فكذلك الأول.

ويحتمل: أن يكون اللّه - عَزَّ وَجَلَّ - يكرم المؤمنين في الجنة بكلامه على ما كلم موسى في الدنيا؛ فلا يكلمهم كما يكلم المؤمنين.

ويحتمل: لا يكلمهم بالرحمة سوى أن يقول لهم: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ}؛ وكقوله: {وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.

وقوله: {وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ}.

نظر رحمة، كما ينظر إلى المؤمنين بالرحمة.

وقوله: {وَلَا يُزَكِّيهِمْ}:

أي: لا يجعل لخيراتهم ثوابًا.

ويحتمل: أن يكون هذا في قوم علم اللّه منهم أنهم لا يؤمنون أبدًا؛ فقال: لا يزكيهم، أي: لا تزكو أعمالهم.

﴿ ٧٧