٩٢

وقوله: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (٩٢)

يحتمل أن تكون الآية - واللّه أعلم - في كفار منعهم عن الإسلام الزكاةُ والصدقات التي تجب في الأموال؛ كقوله: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللّه لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا. . .) الآية، إلى قوله: {بِمَا أَخْلَفُوا اللّه مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} أخبر - عَزَّ وَجَلَّ - لن تنالوا الإسلام حتى تنفقوا مما تحبون من الأموال؛ وكقوله: {لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}.

وتحتمل الآية في المؤمنين؛ رغبهم - عَزَّ وَجَلَّ - في إنفاق ما يحبون؛ كقوله: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} الآية: أخبر أن البر ما ذكر: من الإيمان به، وإيتاء المال في حبه.

ورُويَ عن أنس - رَضِيَ اللّه عَنْهُ - قال: لما نزل قوله - تعالى -: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}، قال أبو طلحة: يا رسول اللّه، حائطي الذي في مكان كذا وكذا فهو للّه، ولو استطعت أن أسره ما أعلنته؛ فقال رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " اجْعَلْهُ في قَرَابَتِكَ - أو أَقْرِبائِكَ ".

ورُويَ عن ابن عمر - رَضِيَ اللّه عَنْهُ - أنه لما نزل هذا: أعتق جارية.

ثم اختلف في الْبِرّ، قيل: الْبِرّ هو الجنة هاهنا.

وقيل: الْبِرّ هو الإسلام، إن كان في الكافرين.

وقيل: لن تنالوا درجات الجنة، وما عند اللّه من الثواب إلا بإنفاق ما تحبون.

وقوله: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللّه بِهِ عَلِيمٌ}

ففيه دليلُ قبول القليل من الصدقة؛ لأنهم كانوا يمتنعون عن قليل التصدق استحقارًا، فأخبر أنه بذلك عليم وإن قلَّ، بعد أن يكون ذلك للّه عَزَّ وَجَلَّ، واللّه أعلم.

﴿ ٩٢