١٠٦وقوله: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ (١٠٦) وصف اللّه - عَزَّ وَجَلَّ - وجوه أهل الجنة بالبياض؛ لأن البياض هو غاية ما يكون به الصفاء؛ لأن كل الألوان تظهر في البياض، ووصف - عَزَّ وَجَلَّ - وجوه أهل النار بالسواد؛ لأن السواد هو نهاية ما تكون به الظلمة؛ إذ الألوان لا تظهر في السواد فهو شبيه بالظلمة. وقد يحتمل أن يكون المراد من وصف البياض والسواد - ليس نفس البياض والسواد؛ ولكنّ البياض هو كناية عن شدّة السرور والفرح، والسّواد كناية عن شدة الحزن والأسف؛ كقوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩)، ووصف وجوه أهل الجنة بالضحك، وليس على حقيقة الضحك؛ ولكن وصف بغاية السرور والفرح؛ وكذلك وجوه أهل النار وصفها بالغبر والقتر؛ وهو وصف بشدة الحزن، واللّه أعلم. وقوله: {أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}: يحتمل وجوهًا: يحتمل: أكفرتم بألسنتكم بعدما شهدت خلقتكم بوحدانية اللّه تعالى؛ لأن خلقة كل أحد تشهد على وحدانيته. ويحتمل: أي: كفرتم بعدما آمنتم بمُحَمَّد - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قبل أن يبعث بوجودكم، نعته وصفته في كتابكم وعلى هذا قال بعض أهل التأويل: {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللّه مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ}: أي: على استجابة كثير منهم من الأجلّة والكبراء، الذين لا يعرفون بالتعنت في الدِّين ولا بالتقليد، واللّه أعلم. ويحتمل قوله: أكفرتم أنتم بعد أن آمن منكم فرق؟!؛ لأن منهم من قد آمن، ومنهم من كفر، فقال لمن كفر: أكفرتم أنتم وقد آمن منكم نفر؟! ألا ترى أنه قال: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ}، واللّه أعلم؛ وكقوله: {فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ}. وقيل: أراد بالإيمان - الذي قالوا حين أخرجوا من ظهر آدم. وفي الآية ردّ قول المعتزلة بتخليد أهل الكبائر في النار، وإخراجهم إياهم من الإيمان من غير أن أدخلوهم في الكفر؛ لأنه - عَزَّ وَجَلَّ - لم يجعل إلا فريقين: بياض الوجوه، وسواد الوجوه، فبياض الوجوه هم المؤمنون، وسواد الوجوه هم الكافرون؛ لأنه قال: {أَكَفَرْتُم} فأصحاب الكبائر لم يكفروا بارتكابهم الكبيرة، ولم يجعل اللّه - تعالى - فرقة ثالثة؛ وهم فرقة ثالثة؛ وكذلك قال - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} لم يجعل الخلق إلا فريقين، وهم جعلوا فرقًا؛ وكقوله: {فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ}. فَإِنْ قِيلَ: ذكر في الآية الكفر بعد الإيمان، ثم لم يكن فيه منع دخول من لم يكفر بعد الإيمان؛ فامتنع ألا يكون فيه منع دخول صاحب الكبيرة فجوابنا ما سبق: أن خلقة كل كافر تشهد على وحدانية اللّه تعالى، لكنهم كفروا بألسنتهم، وذلك كفر بعد الإيمان؛ فلم يجز أن يدخل في الآية من لم يكن كافرًا في حكم الكافر، وباللّه التوفيق. وقوله: {فَذُوقُوا الْعَذَابَ} في الظاهر أمر، لكنه في الحقيقة ليس بأمر؛ لأن العذاب لا يذاق، وإنما يذوق هو؛ فكأنه قال: اعلموا أن عليكم العذاب. |
﴿ ١٠٦ ﴾