١٧٣

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ ... (١٧٣)

قيل: إن المنافقين قالوا لأصحاب رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بعد ما انهزم كفار مكة وولوا أدبرهم: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ}، يخوفونهم؛ حتى لا يتبعوهم على أثرهم، فذلك عادتهم لم تزل؛ كقوله - تعالى -: {مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا}، أي: فسادًا.

وقيل: إنه إنما قال ذلك لهم رجل يقال لهم: نعيم بن مسعود، ولا ندري كيف كانت القصة؟.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَزَادَهُمْ إِيمَانًا}:

لما وجدوا الأمر على ما قال لهم رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ووعد لهم، لا على ما قال أُولَئِكَ؛ فزادهم ذلك إيمانًا، أي: تصديقًا.

زادهم: قيل: جراءة وقوة وصلابة على ما كانوا من قبل في الحرب والقتال، ويحتمل؛ زادهم ذلك في إيمانهم قوة وصلابة وتصديقًا.

وقيل: قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَزَادَهُمْ إِيمَانًا}، أي: تصديقًا ويقينًا بجرأتهم على عدوهم، ويقينهم بربهم، واستجابتهم لنبيهم - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.

فإن قال قائل: ما معنى قوله - سبحانه وتعالى -: {فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} على أثر قوله - عز وجلَ: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا}، وقول ذلك قول لا يحتمل أن يزيد الإيمان، وليس كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا}؛ لأنها حجج، والحجج تزيد التصديق، أو تحدث، أو تدعوا إلى الثبات على ذلك؛ فيزيد الإيمان؛ فقولهم: اخشوهم، كيف يزيد؟ قيل: يخرج ذلك - واللّه أعلم - على وجوه:

أحدها: أنهم إذا علموا أنهم أهل النفاق، وأنهم يخوفون بذلك، وقد كان وعدهم رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بصنيعهم، فكذبوهم بذلك، وأقبلوا نحو أمر رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إجابة لأمره؛ وتصديقا بوعده، ومجانبة لاغترارهم بأخبار أعدائه والنزول على قولهم؛ فكان ذلك منهم - عند ذلك - زائدًا في إيمانهم مع ما في تكذيبهم؛ ذلك نحو قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ. . .}، الآية: إنه إذا زاد بتكذيب آيات اللّه رجسًا؛ فمثله تكذيب المكذب بالآيات؛ لذلك يزيد إيمانًا، واللّه أعلم.

والثاني: أن يكون رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أخبرهم بتفرق أعداء اللّه، وتشتت أمرهم، وأخبرهم المنافقون بالاجتماع؛ فصاروا إلى ما نعتهم به رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ فوجدوا الأمر على ما قال رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وذلك من أنباء الغيب، والإنباء عن الغيب، من أعظم آيات النبوة؛ فزادهم ذلك إيمانًا، واللّه أعلم، وذلك، قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّه. . .} الآية.

والثالث: لم لما يغتروا بقول المنافقين، ولا قصدوا لذلك، ولا ضعفوا؛ فأنزل اللّه - تعالى - سكينته على قلوبهم؛ ليزيد لهم بذلك إيمانًا؛ كقوله - تعالى -: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ. . .} الآية، وباللّه التوفيق.

ثم معنى زيادة الإيمان يتخرج على وجوه:

أحدها: بحق الابتداء في حادث الوقت؛ إذ له حكم التجدد في حق الأفعال بما هو للكفر به تارك؛ وعلى ذلك قوله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا. . .} الآية، فيكون ذلك بحق الزيادة على ما مضى، وإن كان بحق التجدد في حق الحادث والفرد.

والثاني: أن يكون له الثبات عليه؛ إذ حجج الشيء توجب لزومه، والدوام عليه؛ فسمى ذلك زيادة.

ويحتمل: أن يكون يزداد له في أمره بصيرة، وعلى ما رغب فيه إقبالا، ولحوقه مراعاة؛ فيكون في ذلك زيادة في قوته أو في نوره، أو بزينته وتمامه، وذلك أمر معروف.

ويحتمل: أن يكون ذلك داع إلى محافظة حقوق، والتمسك بأدلته، والوفاء بشرائطه؛ فيزيد ذلك فضله؛ كما عدت صلاة واحدة في التحقيق ألفا؛ بما في ذلك من حفظ الحقوق ومراعاتها، واللّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللّه وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}:

فزعوا إلى اللّه - تعالى - بما رأوا من صدق وعد رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لهم وظهور كذب قول المنافقين: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ. . .} الآية، أو قالوا ذلك عند قول المنافقين إياهم: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ}؛ فوضوا أمرهم إلى اللّه تعالى، وسلموا لما رأوا النصر منه؛ رضاء منهم بكل ما يصيبهم، كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للّه وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}: مدحهم اللّه - عَزَّ وَجَلَّ - بما رأوا أنفسهم للّه؛ فكذلك هذا.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَاللّه ذُو فَفحلٍ عَظِيم}.

أي: ذو من عظيم، يدفع المشركين عن المؤمنين.

﴿ ١٧٣