١٧٦

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ}

يحتمل الآية وجهين:

يحتمل: ولا يحزنك الذين ظاهروا غيرهم من المشركين عليكم، وقد ظاهر أهل مكة غيرهم من المشركين على رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فيقول اللّه لرسوله: {وَلَا يَحْزُنْكَ} مظاهرتهم عليك؛ فإن اللّه ينصرك؛ فيخرج هذا مخرج البشارة له بالنصر على أعدائه والغلبة عليهم.

ويحتمل -أيضًا- وجهًا آخر: وهو أن رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان يشتد عليه كفرهم باللّه، ويحزن لذلك، كقوله - تعالى -: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}؛ فيخرج قوله: {وَلَا يَحْزُنْكَ} مخرجَ تَسْكينِ الحزن، ودفْعِهِ عنه، والتسلي عن ذلك، لا مخرج النهي؛ إذ الحزن يأخذ الإنسان، ويأتيه من غير تكلف ولا صنع، وكقوله - تعالى -: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللّه مَعَنَا}: هو على مخرج التسكين والدفع عنه، لا على النهي؛ فكذلك الأول - واللّه أعلم - وكقوله - تعالى - لأم موسى - عليه السلام -: {وَلَا تَحْزَنِي}.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللّه شَيْئًا}: يحتمل قوله: {لَنْ يَضُرُّوا اللّه شَيْئًا}، أي: لن يضروا أولياء اللّه - عَزَّ وَجَلَّ - إنما ضرر ذلك عليهم، كقوله - تعالى -: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}.

ويحتمل: {لَنْ يَضُرُّوا اللّه شَيْئًا}؛ لأنه ليس للّه في فعلهم وعملهم نفع، ولا في ترك ذلك عليه ضرر؛ إنما المنفعة في عملهم لهم، والضرر في ترك عملهم عليهم، واللّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {يُرِيدُ اللّه أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ}:

هذه الآية تنقض على المعتزِّلة قولهم؛ لأن اللّه - تعالى - يقول: أراد ألا يجعل لهم في الآخرة حظًا؛ والمعتزلة يقولون: بل أراد أن يجعل لهم حظا في الآخرة؛ إذ يقولون: أراد لهم الإيمان، وبالإيمان يكون لهم الحظ في الآخرة، فثبت بالآية أنه لم يكن أراد لهم الإيمان، والآية في قوم خاص علم اللّه - تعالى - أنهم لا يؤمنون أبدًا؛ فأراد ألا يجعل لهم حطا في الآخرة، ولو كان على ما تقوله المعتزلة: بأنه أراد أن يجعل لهم حظا في الآخرة - لما أراد لهم أن يؤمنوا، ولكن لم يؤمنوا لكان حاصل قولهم: أراد اللّه ألا يجعل لمن أراد يؤمن في الآخرة، وذلك جور عندهم، وباللّه التوفيق.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}:

وذكر مرة: {أَلِيم}، ومرة: {شَدِيد}؛ لأن

التعذيب بالنار أشد العذاب في الشاهد وأعظمه؛ لذلك أوعد بها في الغائب، وجعل شرابهم وطعامهم ولباسهم منها، فنعوذ باللّه من ذلك.

﴿ ١٧٦