١٩٣

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ (١٩٣)

يحتمل هذا وجهين:

أحدهما: على حقيقة السمع أن سمعوا مناديًا يدعوهم إلى الإيمان، وهو رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أو القرآن، كلاهما يدعوان الخلق إلى الإيمان باللّه.

ويحتمل قوله: {سَمِعنَا}، أي: عقلنا، وعَقْلُ كُل أحد يدعو إلى التوحيد والإيمان به.

وقيل: سمعوا دعوة اللّه فأجابوها، وصبروا عليها.

وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللّه عَنْهُ -: المنادي: مُحَمَّد - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، ثم قرأ: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ. . .} هو الآية.

وعن غيره: المنادى هو الترآن، يدعوهم {أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ}.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَآمَنَّا رَبَّنَا}

وفيه دلالة أن الإيمان ليس هو جميع الطاعات، على ما يقول بعض الناس؛ ولكنه فرد تصديق؛ لأنه لما قال لهم: آمنوا بربكم لم يطلبوا التفسير، ولا قالوا: كم أشياء تكون؟!، ولكن أجابوه إجابة موجزة، فقالوا: {فَآمَنَّا رَبَّنَا}. ثم فيه دلالة أن لا ثُنَيَّا في الإيمان؛ لأنهم أطلقوا القول في الإخبار عن إيمانهم من غير ذكر حرف الثنيا؛ دلَّ أن الإيمان مما لا يحتمل الثنيا.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا}:

قيل: قولهم: {فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا}: التي كانت فيما مضى من عمرنا، {وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا}، أي: اعصمنا فيما بقي من عمرنا، أو: وفقنا للحسنات التي تكفر سيئاتنا؛ لما قد يلزم العبدَ التكفيرُ لما أساء.

وقيل: المغفرة والتكفير كلاهما سواء؛ لأن المغفرة هي الستر، وكذلك التكفير " ولذلك سُمِّي الحراثون: كفارًا؛ لسترهم البذر في الأرض؛ وكذلك الكافر سمى كافرًا؛ لستره الحق بالباطل، ولستره جميع ما أنعم اللّه عليه بتوجيه الشكر إلى غيره، واللّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ}:

يحتمل قوله: {وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ}، أي: توفنا واجعلنا مع الأبرار. ويحتمل: وتوفنا من الأبرار وفي الأبرار.

ثم اختلف في البَرِّ: قيل: هو الذي لا يؤذى أحدًا، وقيل: الأبرار: الأخيار.

ويحتمل: توفنا على ما عليه توفيت الأبرار، وتوفنا وإنَّا أبرارٌ. والبر: الطاعة، والتقوى: ترك المعصية.

﴿ ١٩٣