١٣

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {تِلْكَ حُدُودُ اللّه}

قيل: فرائض اللّه التي أمركم بها من قسمة الميراث.

ويحتمل {تِلْكَ حُدُودُ اللّه}: ما حد لنا حتى لا يجوز مجاوزتها، وقد تقدم ذكرها في سُورَةِ البقرة. وذكر حدود اللّه، وقد يجوز أن يكون للخلق حدود، يقال: حدُّ فلان؛ فإذا لم يفهم من حدود اللّه ما فهم من حد الخلق كيف فهم من قوله: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}، و {استَوَى إلَى السَّمَاءِ} ما فهم من استواء الخلق؟! فإذا لم يفهم من حدود اللّه ما فهم من حد الخلق - لم يجز أن يفهم من استواء اللّه ما يفهم من استواء الخلق، وكذلك لا يفهم من رؤية الرب ما يفهم من رؤية المخلوق، ولا يفهم من مجيئه مجيء الخلق، ولا من نزوله نزول الخلق، على ما لم يفهم من قوله - تعالى - {تِلْكَ حُدُودُ اللّه} حدود الخلق؛ إذ لا فرق بين هذا وبين الأول.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {تِلْكَ حُدُودُ اللّه} يحتمل وجهين:

أحدهما: أوامره ونواهيه، وما حَرَّم وأحلَّ.

ويحتمل: حدود شيء من ذلك؛ فيرجع تأويل الأول إلى أنفس العبادات، والثاني: إلى نهايات العبادات.

والمعروف من الحدود التي تنسب إلى الخلق وجهان:

أحدهما: نهاية المنسوب إليه، وذلك حق حد الأعيان.

والثاني: الأثر الذي يضاف إليه، وذلك حد الصفات أن يقال: حد الفعل فعل كذا، وحد البصر والسمع، يراد به الأثر الذي به يعرف، أو هنالك ما ذكر، ثم لم تكن الحدود التي أضيفت إلى اللّه - سبحانه وتعالى - على واحد من الوجهين اللذين يضافا إلى الخلق؛ إذ قد ثبت بضرورة العقل وحُجج السمع تعاليه عن المعاني التي هي معاني خلقه؛ فعلى ذلك ما أضيف إليه من طريق العقل من الاستواء، والمجيء، والرؤية - لم يجز في ذلك تصوير المعنى الذي في إضافة ذلك إلى الخلق يكون بما في ضرورة العقل والسمع جلاله وكبرياؤه عن ذلك المعنى، وباللّه العصمة.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَمَنْ يُطِعِ اللّه وَرَسُولَهُ}.

قيل: من يطع اللّه في أداء فرائضه أوسنة رسوله.

{يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ. . .} إلى آخر ما ذكر.

وقيل: ومن يطع اللّه فيما أمر ونهى، وأطاع رسوله في أمره ونهيه؛ فله ما ذكر.

وقيل: إذا أطاع اللّه فقد أطاع رسوله، وإذا أطاع رسوله فقد أطاع اللّه - تعالى - وهو واحد، كقوله: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّه}

وقوله: {وَمَنْ يُطِعِ اللّه} - تعالى -: فيما أمر ونهي، وحَرَّم وأحلَّ، {وَرَسُولَهُ}: فيما بلغ وبين.

وقيل: ذا ليس بتفريق، لكن من الذي يطيع اللّه هو الذي يطيع رسوله؛ لأنه إلى طاعة اللّه - تعالى - دعاه، وعلى عبادته رغب؛ فتكون طاعتُهُ طاعتَهُ، كقوله - تعالى -: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّه}، وكقوله - سبحانه -: {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّه فَاتَّبِعُونِي. . .} الآية.

﴿ ١٣