٣٩وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ... (٣٩) هذا - واللّه أعلم - صلة قوله: {وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللّه وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} وفمعنى قوله: فماذا عليهم لو آمنوا باللّه واليوم الآخر - واللّه أعلم - وذلك أنهم كانوا ينفقون مراءاة طلب الرياسة وإبقائها؛ فقال: لو آمنوا باللّه واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم اللّه تبقى لهم تلك الرياسة، ويكون لهم الذكر؛ بل لو آمنوا كان ذلك في الإيمان أكثر ذكرًا، وأعظم قدرًا ومنزلة؛ ألا ترى أنه من أسلم منهم من الأئمة من نحو ابن سلام وغيره كان لهم ذكر في الإسلام وبعد موتهم من غير حاجة وقعت بهم إليهم في حق شرائع الإسلام، ومن مات منهم على الكفر لم يذكر أبدًا، فأخبر اللّه - سبحانه وتعالى - أن ليس في الإيمان باللّه واتباع مُحَمَّد - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ذهاب شيء مما يخافون ذهابه من الرياسة والمنافع التي يطمعون في وصولها إليهم، وغير ذلك؛ حيث قالوا: {إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا}، فقال: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} أي: لم يكن مما خافوا باتباع الهدى قليلًا ولا كثيرًا. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَكَانَ اللّه بِهِمْ عَلِيمًا} يحتمل وجهين: يحتمل: أنه كان على علم منه بما يفعلون من فعل الكفر والشر ونحوه من خلق إبليس، لا عن جهل ولا غفلة، ليس كصنيع ملوك الأرض أنهم إذا فعلوا فعلا ثم استقبل الخلاف فإنما يكون ذلك لفعله منهم وجهل بالعواقب، فاللّه - سبحانه وتعالى - كان لم يزل عالمًا بهم، لكنه تركهم على ذلك لما لا يلحقه الضرر بالعصيان، ولا النفع بالطاعة، بل حاصل الضرر والنفع يرجع إليهم. والثاني: يخرج مخرج التحذير لهم والتنبيه؛ لأن من علم أن آخر يعلم بصنيعه كان أحذر وأخوف ممن يعلم أنه ليس عليه حافظ ولا رقيب، وعلى هذا يخرج قوله: (كِرَامًا كَاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)، ليكونوا على حذر من ذلك. وقيل: {وَكَانَ اللّه بِهِمْ عَلِيمًا} أنهم لن يؤمنوا. وفي قوله -أيضًا-: {وَكَانَ اللّه بِهِمْ عَلِيمًا} أي: أنشأهم على العلم بما يفعلون؛ يبين أنه أنشأهم؛ ليعلم الخلائق أن مخالفتهم إياه لا تضره؛ إذ كل من يضره الخلاف لا يتولى ابتداءه إلا على الغفلة ببعضه من الضرر يلحقه بالخلاف. والثاني: على التحذير وقت الفعل بتذكير المراقب عليه على ما عليه الأمر المعتاد من الانتهاء عن أمور تهواها النفس بالمراقب عليه. ويحتمل: كان على إرادة نفي حدثية العلم، أو أخبر بعلمه بفعلهم وما لهم من الجزاء، واللّه أعلم. * * * |
﴿ ٣٩ ﴾