٤٦

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ... (٤٦) وفي حرف ابن

مسعود - رَضِيَ اللّه عَنْهُ -: {وَكَفَى بِاللّه نَصِيرًا}، {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا} على الاستئناف، والابتداء خبر، وفي حرف غيره: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا} - معناه واللّه أعلم: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب من الذين هادوا، لا ذكر للنصارى في ذلك.

وفي حرف ابن مسعود - رضي اللّه عنه - ذكر النصارى في الذين أوتوا نصيبًا.

وفي حرف حفصة - رضي اللّه عنها -: " من الذين هادوا من يحرف الكلم عن مواضعه ".

ثم تحريف الكلم يحتمل وجهين:

يحتمل: تغيير المعاني وتبديل التأويل على جهالهم؛ كقوله - تعالى -: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ. . .} الآية.

ويحتمل: تغيير اللفظ والكتابة نفسها؛ كقوله - سبحانه وتعالى -: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللّه}.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا}

قيل: سمعنا قولك، وعصينا أمرك.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ}

قيل: اسمع قولنا غير مسمع، أي: غير مجيب.

وقيل: اسمع قولنا غير مسمع لا سمعت؛ على السب.

وقوله: {وَعَصَيْنَا}

الإسرار به منهم أظهره اللّه - تعالى - عليهم؛ ليكون آية للرسالة.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَرَاعِنَا}

قيل: يقولون لمُحَمَّد - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: راعنا سمعك.

وقيل: {وَرَاعِنَا}: أرعنا حقوقنا؛ وهو من الرعاية.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ} أي: تحريفًا، والتحريف ما ذكرنا؛ كقوله - تعالى -: {يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ. . .} الآية.

وقيل في قوله - تعالى -: {وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ} أي: اسمع يا مُحَمَّد منا قولنا غير مسمع منك قولك، ولا مقبول ما تقول.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} أي: لو قالوا: سمعنا قولك، وأطعنا أمرك، وانظرنا فلا تعجل علينا ننظر.

وقيل في قوله: {وَانْظُرْنَا}: أفهمنا.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ}

مما قالوا: سمعنا قولك وعصينا أمرك، لكان خيرًا لهم في الدنيا والآخرة: أما في الدنيا: فدوام الرياسة التي خافوا فوتها لو أطاعوه واتبعوه؛ إذ قد مَن آمن منهم وأطاعوا نبيه فلم تذهب عنهم الرياسة والذكر في الدنيا؛ بل ازداد لهم شرفًا وذكرًا في الحياة وبعد الممات، وأمَّا في الآخرة فثواب دائم غير زائل أبدًا.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَأقوَمَ}

أي: أعدل وأصوب لما ذكرنا.

{وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللّه بِكُفْرِهِمْ}

واللعن: هو الطرد، طردهم اللّه - عَزَّ وَجَلَّ - من رحمته ودينه، لما علم منهم أنهم لا يؤمنون باختيارهم الكفر.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا}

قيل: والقليل من أسلم؛ من نحو ابن سلام وأصحابه وغيرهم.

وقيل: قوله - تعالى -: {فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} منهم، أو لا يؤمنون إلا بالقليل من

 الكتب والأنبياء، عليهم السلام؛ كقوله - تعالى -: {نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ}.

* * *

﴿ ٤٦