٦٢

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّه إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (٦٢)

يحتمل هذا ما ذكر في القصة الأولى: أن عمر - رَضِيَ اللّه عَنْهُ - لما قتل ذلك الرجل المنافق جاء المنافقون إلى الرسول - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يحلفون باللّه ما أراد ذلك الرجل إلا {إِحْسَانًا} أي: تخفيفا وتيسيرًا عليك؛ ليرفع عنك المؤنة، {وَتَوْفِيقًا} إلى الخير والصواب.

وقيل: نزلت في المنافقين في بناء مسجد ضرار؛ كقوله - سبحانه وتعالى -: {وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى}.

 ويحتمل قوله - تعالى -: {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّه إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} الآية) في كل مصيبة تصيبهم، وكل نكبة تلحقهم أن كانوا يأتون رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فيعتذرون كما {يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللّه مِنْ أَخْبَارِكُمْ. . .} الآية؛ لأنهم كانوا يميلون إلى حيثما كانوا يطمعون من المنافع من الغنيمة وغيرها، إن رأوا النكبة والدبرة على المؤمنين مالوا إلى هَؤُلَاءِ، ويظهرون الموافقة لهم؛ طمعًا منهم، ويقولون: إنا معكم، وإن كانت النكبة والدبرة على الكافرين يظهرون الموافقة لهم؛ كقوله - تعالى -: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللّه قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، هذا كان دأبهم وعادتهم أبدًا.

وقوله - تعالى -: {إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} قيل فيه بوجوه:

قيل: إلا تخفيفًا وتيسيرًا عليك.

وقيل: قالوا: تحاكمنا إليه على أنه إن وفق، وإلا رجعنا إليك.

وفيه دلالة بطلان تحكيم الكافر والتحاكم إليه، وذلك حجة لأصحابنا - رحمهم اللّه - واللّه أعلم.

﴿ ٦٢