٦٤

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّه. . .} الآية.

يحتمل قوله - تعالى -: {بِإِذْنِ اللّه} وجوهًا:

قيل: {لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّه} أي: بمشيئة اللّه.

وقيل: {لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّه} أي: بأمر اللّه.

وقيل: {لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّه} أي: بعلم اللّه.

ومن قال: {بِإِذْنِ اللّه}، بمشيئة اللّه؛ أي: من أطاع الرسول - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إنما يطيعه بمشيئته، وكذلك من عصاه إنما يعصيه بمشيئته، من أطاعه أو عصاه فإنما ذلك كله بمشيئة اللّه.

ومن تأول: {إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّه} العلم، يقول: إنه يعلم من يطيعه ومن يعصيه، أي: كل ذلك إنما يكون بعلمه، لا عن غفلة منه وسهو، كصنيع ملوك الأرض أن ما يستقبلهم من العصيان والخلاف إنما يستقبلهم الغفلة، منهم وسهو بالعواقب، فأما اللّه - سبحانه وتعالى - إذا بعث رسلا بعث على علم منه بالطاعة لهم وبالمعصية، لكنه

بعثهم لما لا ينفعه طاعة أحد؛ ولا يضره معصية أحد، فإنما ضر ذلك عليهم، ونفعه لهم.

ثم قالت المعتزلة في قوله - تعالى -: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ}: أخبر أنه ما أرسل الرسل إلا لتطاع، ومن الرسل من لم يطع؛ كيف لا تبينتم أن من الفعل ما قد أراد - عَزَّ وَجَلَّ - أن يفعل، وأن يكون، ولكن لم يكن على ما أخبر أنه ما أرسل من رسول إلا ليطاع.

ثم من قد كان من الرسل ولم يطع.

قيل: هو ما ذكر في آخره: {إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّه} أي: بمشيئة اللّه، فمن شاء من الرسل أن يطاع فقد أطيع، ومن شاء ألا يطاع، فلم يطع، وكذلك من علم أنه يطاع فأرسله ليطاع فأطيع، ومن علم أنه لا يطاع فلم يطع، ومن أرسل أن يطاع بأمر ليكون عليه الأمر فذلك مستقيم، ومن أرسل ليطاع بالأمر فلا يجوز ألا يطاع.

وقوله -أيضًا-: {لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّه}

قيل فيه: بأمر اللّه، وقد مرّ بيانه.

وقيل: ليطاع بمشيئة اللّه؛ فيطيعه كل من شاء اللّه.

وقيل: بعلم اللّه، فهو فيمن يعلم أنه يطيعه؛ إذ لا يجوز أن يعلم الطاعة ممن لا يكون.

والمعتزلة في هذا: أنه أخبر أنه أرسل ليطاع، ولم يطعه الكل ما يبعد أن يكون أراد ليطاع وإن كان لا يطيعه الكل.

فقلنا: إذا قال: {لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّه}، والإذن يتوجه إلى ما ذكرت؛ فعلى ما ذكرت كان ليطاع ممن يطيعه لا غير؛ فحصل الأمر على الدعوى، وهو كقوله - تعالى -: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، ومعلوم أن الصغار منهم لا يعبدون، فخرج الخبر إلى الخصوص بالوجود، لا أن كان في كل أمر؛ فعلى ذلك أمر الإرادة فيمن وجد، لا أنه في كل على أنه فيه بعلم، وهو يرجع إلى بعض دون الكل، فمثله الإذن على إرادة المشيئة، واللّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ}

أي: علموا أن حاصل ظلمهم راجع إليهم؛ لأن الظلم هو وضع الشيء في غير

 موضعه، وهم وضعوا أنفسهم في غير موضعها، فإذا لم يعرفوا أنفسهم لم يعرفوا خالقها.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّه}

أي: جاءوك مسلمين، تائبين عن التحاكم إلى غيرك، راضين بقضائك، نادمين على ما كان منهم، {وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} أي: تشفع لهم الرسول، {لَوَجَدُوا اللّه تَوَّابًا رَحِيمًا} أي: قابلا لتوبتهم.

﴿ ٦٤