٦٦

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ. . .} الآية.

قال أبو بكر الصديق - رَضِيَ اللّه عَنْهُ -: لو كانت علينا نزلت يا رسول اللّه، لبدأت بنفسي وأهل بيتي، فقال رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " ذَاكَ لفَضْلِ يَقِينِكَ عَلَى يَقِينِ النَّاسِ، وَإِيمَانِكَ عَلَى إِيمَانِ النَّاسِ ".

وعن الحسن قال: لما نزلت هذه الآية قال رجل من الأنصار: واللّه، لو كانت علينا لقتلنا أنفسنا، فقال النبي - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيدِهِ لَلْإِيمَانُ أَثْبَت فِي صُدُورِ الرجَالِ مِنَ الأَنْصَارِ مِنَ الجِبَالِ الرَّوَاسِي ".

وقيل: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ. . .} الآية: هم يهود [يعني والعرب] (١) كما أمر أصحاب موسى، عليه السلام.

وقيل: قال عمر - رضي اللّه عنه - ونفر معه: واللّه لو فعل ربنا لفعلنا، فالحمد للّه الذي لم يجعل بنا ذلك، فقال رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " لَلْإيمَانُ أَثْبَتُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الجِبَال الرَّوَاسِي ". (١) في المطبوع هكذا [تغنا العرب]. والتصويب من الدر المنثور كما أشار إليه محقق الكتاب. اهـ (مصحح النسخة الإلكترونية).

 ثم اختلف في قتل الأنفس:

قَالَ بَعْضُهُمْ: هو أن يقتل كلٌّ نفسَهُ.

وقال آخرون: هو أن يأمر أن يقتل بعض بعضًا، وأما قتلُ كلٌّ نفسَهُ فإنه لا يحتمل لوجهين:

أحدهما: وذلك أنه عبادة شديدة مما لا يحتمل أحد؛ كقوله - تعالى -: {لَا يُكَلِّفُ اللّه نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}، أخبر أنه لا يكلف ما لا طاقة له.

والثاني: أن فيه قطع النسل وحصول الخلق للإفناء خاصة، وذلك مما لا حكمة في خلق الخلق للإفناء خاصة.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ}، قيل: هو عبد اللّه بن مسعود، وعمار، وفلان، وفلان - رضي اللّه عنهم - ولا ندري أيصح أم لا؟ ولو كان قوله - تعالى -: {أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} قتل بعض بعضا فذلك ما أمروا به بمجاهدة العدو، والإخراج من المنزل، والهجرة، ثم أخبر أنهم لا يفعلون ذلك إلا قليل منهم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} يحتمل هذا وجهين: لو فعلوا ما يؤمرون به من الإسلام والطاعة لكان خيرًا لهم من ذلك.

ويحتمل: لو أنهم فعلوا ما يؤمرون به من القتل لو كتب عليهم، لكان خيرًا لهم في الآخرة، {وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} قيل: حقيقة.

وقيل: تحقيقًا في الدنيا.

وقيل: ما يوعظون به من القرآن

{لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} في دينهم

{وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} يعني: تصديقًا بأمر اللّه.

﴿ ٦٦