٩٤قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّه فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللّه مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللّه عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللّه كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (٩٤) وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّه فَتَبَيَّنُوا. . .} الآية. قيل: إن رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بعث سرية إلى دار الحرب، فسمعوا سرية لرسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - تريدهم؛ فهربوا، وأقام رجل؛ لإسلامه؛ فلما رأى الخيل خاف أن يكونوا من العدو من حرب رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ فألجأ غنمه إلى كهف، ثم قام دونها، فسمع التكبير؛ فهبط إليهم وهو يقول: لَا إِلَهَ إِلَّا اللّه، فأتاه رجل من هَؤُلَاءِ، فقتله واستاق غنمه وما معه، ثم رجعوا إلى رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فأخبروه الخبر؛ فقال رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " أَقتَلْتُمُوهُ؛ إِرَادَةَ مَا مَعَهُ، وهُوَ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلا اللّه؟! " فقالوا: إنه قال ذلك، متعوذا؛ فقال: " هَلَّا شَقَقْتُم عَنْ قَلْبِهِ؟! ". وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللّه عَنْهُ - أن رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بعث سرية، فلقيهم رجل، فسلم عليهم وحياهم بتحية الإسلام، فحمل عليه رجل من السرية فقتله؛ فلامه أصحابه وقالوا: أقتلت رجلا حيانا بتحية الإسلام؟! فلما قدموا على رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أخبره بالذي صنع؛ فقال رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ: إِني مُسلِم؟! " فقال: يا رسول اللّه، إنما قالها متعوذًا؛ قال: " فَهَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِه فَتَعْلَمَ ذلك؟! "؛ فنزل قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّه فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا}. فلا ندري كيفما كانت القصة؟ ولكن فيه الأمر بالتثبت عند الشبهة، والنهي عن الإقدام عندها، وهكذا الواجب على المؤمن الوقف عند اعتراض الشبهة في كل فعل وكل خبر؛ لأن اللّه - تعالى - أمر بالتثبت في الأفعال بقوله: {فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا}، وقال في الخبر: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}، أمر بالتثبت في الأخبار عند الشبهة، كما أمر في الأفعال لنبيه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}. وفي الآية دليل فساد قول المعتزلة؛ لأنه نهاهم أن يقولوا لمن قال: إني مسلم: لست مؤمنا، وهم يقولون: صاحب الكبيرة ليس بمؤمن، وهو يقول ألف مرة على المثل: إني مسلم، فإذا نهى أن يقولوا: ليس بمؤمن؛ أمرهم أن يقولوا: هو مؤمن؛ فيقال لهم: {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّه}، على ما قيل لأُولَئِكَ. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} قيل: الغنيمة: {فَعِنْدَ اللّه مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ} هذا يحتمل وجهين: يحتمل قوله: {فَعِنْدَ اللّه مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ} أي: أجر عظيم وجزاء كثير. ويحتمل: {فَعِنْدَ اللّه مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ} يعطيها لكم في غير هذا، كقوله - تعالى - {وَعَدَكُمُ اللّه مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا. . .} الآية. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللّه عَلَيْكُمْ. . .} الآية. اختلف فيه: قيل: {كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ} ضلالا كفارا؛ {فَمَنَّ اللّه عَلَيْكُمْ} بالإسلام والهجرة، وهداكم به. وقيل: {كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ} تخفون إيمانكم من المشركين وتكتمونه؛ {فَمَنَّ اللّه عَلَيْكُمْ} بإظهار الإسلام وإبدائه. وقيل: {كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ} تأمنون في قومكم من المؤمنين بـ " لا إله إلا اللّه "، ولا تخيفوا من قالها؛ {فَمَنَّ اللّه عَلَيْكُمْ} بالهجرة. وعن ابن عَبَّاسٍ قال: {كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ} كفارًا تقاتلون على الدنيا وعرضها. وقوله - تعا لي -: {فَتَبَيَّنُوا} عاد إلى الأول، وأمر بالتثبت عند الشبهة؛ ألا تري أنه روي في الخبر أنه قال: " الْمُؤْمِنُ وَقَّافٌ وَزَّانٌ): وَقَّافٌ يقف عن الشبهة، ووَزَّانٌ يزن الأعمال فيختار أفضلها. * * * |
﴿ ٩٤ ﴾