٩٥وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّه بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} قال الحسن: كان هذا في الوقت الذي كان الجهاد تطوعًا؛ لأنه لو كان فرضا لكان لا معنى لقوله: لا يستوي كذا من كذا، وهما غير مستويين: أحدهما فرض عليه، والآخر لا. قيل له: هذا الذي ذكرت لا يدل على أن الجهاد ليس بفرض في ذلك الوقت؛ ألا ترى أنه قال: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ}، وقال: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ} جمع بين متضادين، ثم قال: {لَا يَسْتَوُونَ}؛ فعلى ذلك هذا، وهو أولى. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}: استثنى أهل الضرر مجملا في هذه الآية، وبين أمرهم وما زال عنهم من فرض الجهاد في آية أخرى، وهو قوله - تعالى -: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ}، وقوله عز وجل: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى. . .} الآية، وهذا مما أجمع عليه أهل العلم، وأزالوا الحرج عمن كان في مثل حال هَؤُلَاءِ الذين وصفهم اللّه - تعالى - وعَذَرَهم في تخلفهم عن الجهاد. وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللّه عَنْهُ - قال: لما ذكر اللّه - تعالى - فضيلة المجاهدين على القاعدين رغبهم في الجهاد بقوله: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. . .} الآية - أتاه عبد اللّه بن أم مكتوم الأعمى، فقال: يا رسول اللّه، ذكر اللّه فضيلة المجاهدين على القاعدين، وحالنا ما ترى، ونحن نشتهي الجهاد؛ فنزل: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} فجعل لهم من الأجر ما للمجاهدين؛ لزمانتهم. وعلى ذلك أكثر أهل التفسير. وقال الكسائي: {الضَّرَر} مصدر الضرير والمضرور، والضرير: الأعمى، يقال: ضُرَّ بَصَرُهُ، فهو ضرير ومضرور: إذا عمي. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَكُلًّا وَعَدَ اللّه الْحُسْنَى} القاعد والمجاهد {وَفَضَّلَ اللّه الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} قيل: هذا الفضل للمجاهد على القاعد الذي قعد لا لعذر، جعل له الأجر العظيم. وقوله: {فَضَّلَ اللّه الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً} على القاعد الذي قعد لعذر؛ لأنه جعل فضيلته عليه بدرجة، وفي الثاني جعل فضيلته عليه بدرجات. لكن قوله: " درجة "، و " درجات " عندنا: واحد؛ ألا ترى أنه - تعالى - قال: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}، ليس هو شيئًا واحدًا؛ ولكنه أشياء، والذي قعد لعذر يستوي في الأجر مع الذي خرج؛ إذا كان يتمنى أن يخرج إن قدر؛ لأنه لو لم يكن كذلك لكان لا معنى للاستثناء. وفي الآية دلالة أن فرض الجهاد - فرضُ كفاية: يسقط عن الباقين بقيام بعضهم، وإن كان الخطاب يعمهم في ذلك، وهو قوله - تعالى -: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ}، وفرض الخروج لطلب العلم فرضُ كفاية: إذا خرج بعضهم لطلبه يسقط عن الباقين ذلك؛ فعلى ذلك فرض الجهاد، وإن كان ذلك خلاف ما عاتب اللّه - تعالى - عليه الثلاثة الذين خلفوا في سورة " براءة "؛ لأن أُولَئِكَ تخلفوا عن رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وقد قال اللّه - تعالى - {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللّه وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ} فإنما عاتب أُولَئِكَ لتخلفهم عن رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. |
﴿ ٩٥ ﴾