١٠٨

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّه وَهُوَ مَعَهُمْ}

يحتمل وجهين:

يحتمل: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ}، أي: يحتشمون من الناس أن يعلموا بصنيعهم، ولا يحتشمون من اللّه، على علم منهم أنه لا يخفى عليه شيء.

ويحتمل: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ}، أي: يسترون سرهم من الناس.

وكذلك رُويَ في حرف حفصة: ولا يستترون من اللّه، ولكن اللّه يطلع الناس على ما يسرون.

{وَهُوَ مَعَهُم}، أي: لايخفي عليه شيء.

وقوله: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّه وَهُوَ مَعَهُمْ} - على وجهين:

أحدهما: على نفي القدرة وإثباتها: أن لهم ذلك في الإخفاء من الناس، وليس لهم في الإخفاء عن اللّه.

والثاني: على قلة المبالاة: يعلم باطلاع اللّه - تعالى - عليهم، وتركهم مراقبة اللّه في الأمور، واجتهادهم في ذلك عن الخلق، واللّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} عن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللّه عنه - قال: {إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} يقول: من العمل والفرية على اليهودي، بالسرقة.

وقيل: يبيتون: أي يؤلفون القول فيما بينهم، فيقولون: يأتي به النبي، فيقول له كذا وكذا؛ ليدفعوا عن صاحبهم الخيانة والتهمة، وهو طُعْمَة؛ على ما قيل في القصة: إنه سرق درع رجل فرماها في دار يهودي.

وقيل: إنه خبأها في دار يهودي، فلما طلب منه حلف باللّه أنه ما سرق.

وقيل: التبييت: هو التقدير بالليل، وقد ذكرناه في قوله: {بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ. . .} الآية.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَكَانَ اللّه بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا}

هو على الوعيد؛ أي: عن علم منه يفعلون هذا، لا عن غفلة؛ كقوله - تعالى -: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللّه غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ}، لكنه يؤخره إلى يوم على علم منه ذلك، وعلى الإعلام أن اللّه لم يزل عالمًا بما يكون منهم، وعلى ذلك امتحنهم، وباللّه التوفيق.

﴿ ١٠٨