١١٩وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ ... (١١٩) قيل: هذا إخبار عن اللّه - تعالى - عبادَهُ عن صنيع اللعين؛ ليكونوا على حذر منه. ثم قوله: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ} - ليس على حقيقة الإضلال؛ لأنه لا يقدر أن يضل أحدًا، لكنه يدعو إلى الضلال ويزين عليهم طريقه، ويلبس عليهم طريق الهدى؛ فذلك معنى إضافة الإضلال إليه؛ وإلا لم يملك إضلال أحد في الحقيقة؛ كقوله - تعالى -: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ. . .} الآية. ثم إذا ضلوا بدعائه إلى ذلك وتزيينه عليهم سبيله - يمنيهم عند ذلك؛ حتى يتمنوا أشياء؛ كقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ. . .} الآية، وكقوله - تعالى - {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ}، ونحو ذلك من الأماني، وذلك مما يمنيهم الشيطان، لعنة اللّه عليه. وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللّه عَنْهُ -: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ}، يعني: عن الدِّين، {وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ} أن يصيبوا خيرًا لا محالة؛ ليأمنوا. وفي حرف ابن مسعود: " ولأعدنهم ولأمنينهم ولأحرمنَّ عليهم الأنعام ولآمرنهم فليبدلن خلقك ولآمرنهم فليبتكن ". وقوله: {فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ} فجعلوها نحرًا للأوثان والأصنام التي كانوا يعبدونها. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّه} يحتمل هذا وجهين، سوى ما قال أهل التأويل: أحدهما: أن اللّه - تعالى - خلق هذا الخلق؛ ليأمرهم بالتوحيد، وليجعلوا عبادتهم له، لا يعبدون دون اللّه غيره؛ كقوله - تعالى -: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ. . .) الآية؛ فهو دعاهم أن يجعلوا عبادتهم لغير اللّه، وهو ما قيل في قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {فِطْرَتَ اللّه الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّه ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}، قيل: لدين اللّه؛ فعلى ذلك يحتمل قوله: {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّه}، أي: عن الذي كان خَفقُهُ إياهم لذلك، واللّه أعلم. والثاني: أنه - عَزَّ وَجَلَّ - خلق الأنعام والبهائم لمنافعهم، وسخرها لهم، فهم حرَّموها على أنفسهم، وجعلوها للأوثان والأصنام: كالبحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام؛ منعوا منافعها التي خلقها لهم عن أنفسهم، وذلك تغيير ما خلق اللّه لهم، واللّه - تعالى - أعلم. وأما أهل التأويل فإنهم قالوا غير الذي ذكرنا: قَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّه}: الإخصاء، وهو قول ابن عَبَّاسٍ، رضي اللّه عنه. وقال آخرون: هو دين اللّه. وروي عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللّه عَنْهُ - أنه قال -أيضًا-: دين اللّه. وقيل: هو ما جاء من النهي عن الواشرة، والنامصة، والمتفلجة، والواصلة، والواشمة. ولا يحتمل أن يكون خطر بباله يومئذ أنه أراد بتغيير خلق اللّه ما قالوا من الإخصاء، أو المثلة، والواشرة، والنامصة؛ لأنه إنما قال ذلك يوم طلب من ربه النظِرة إلى يوم البعث، ولا يحتمل أن يكون له علم ألا يحل هذا أو النهي عن مثله؛ إذ قد يجوز أن ترد الشريعة في مثله؛ لذلك بعد هذا، واللّه أعلم. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللّه}. أي: يطيعه ويجيبه إلى ما دعاه، ويعبده دون اللّه. {فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينً}. في الدنيا والآخرة: أما في الدنيا فذهاب المنافع عنهم التي جعلوها للأصنام والأوثان، وفي الآخرة العقوبة. |
﴿ ١١٩ ﴾