١٣٨

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ} بكذا.

البشارة المطلقة المرسلة لا تكون إلا بالخير خاصة، وأما إذا كانت مقيدة مفسرة فإنها تجوز في الشر؛ كقوله - تعالى -: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ} كذا، وكذلك قوله - تعالى -: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}، وفي القرآن كثير، ما ذكرها في الشر إلا مفسرة مقيدة.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ} - يدل هذا على أن الآية الأولى في أهل النفاق والمراءاة، علي ما ذكرنا من التأويل؛ لأنه لم يسبق فيما تقدم ذكر لهم سوى قوله - تعالى -: {آمَنُوا آمِنُوا بِاللّه وَرَسُولَهِ}. ويحتمل على الابتداء والانتناف على غير ذكر تقدم، وذلك جائز في القرآن كثير.

ثم فسر المنافقين فقال: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}

ثم يحتمل قوله - تعالى -: {يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} قولا وفعلا:

أما القول: كقولهم: {إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ}، وغيره من الآيات.

وأما الفعل: فكانوا يمنعون المؤمنين أن يغزوهم؛ كقوله - تعالى -: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ}، وكقوله: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ}، وكقوله - تعالى -: {فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ}، كانوا يمنعون أصحاب رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - والمسلمين عن أن يغزوهم ويقاتلوهم؛ فهم - وإن كانوا يُرُون

 من أنفسهم الموافقةَ للمؤمنين في الظاهر -فإنهم كانوا في الحقيقة- معهم؛ فهذا - واللّه أعلم - تأويل قوله: {يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ}.

قيل: قوله - تعالى -: {أَيَبْتَغُونَ} على طرح الألف وأنها زائدة، أي: يبتغون بذلك من عندهم العزة.

ثم يحتمل قوله - تعالى -: {أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ} وجهين:

يحتمل: العزة: المنعة والنصرة، وكانوا يطلبون بذلك النصرة والقدرة عند الكافرين.

ويحتمل: ليتعززوا بذلك.

والأصل: أن حرف الاستفهام كله من اللّه - له حق الإيجاب، على ما يقتضي جوابه من حقيقة الاستفهام؛ إذ اللّه عالم لا يخفى عليه شيء يستفهم، جل عن ذلك.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَإِنَّ الْعِزَّةَ للّه جَمِيعًا}

أي: والنصرة والقدرة، كله للّه، من عنده يكون، وبه يتعزز في الدنيا والآخرة، ليس من عند أُولَئِكَ الذين يطلبون منهم.

﴿ ١٣٨