١٤٢وقوله: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّه وَهُوَ خَادِعُهُمْ}. يحتمل قوله - تعالى -: {يُخَادِعُونَ اللّه}، أي: يخادعون أولياء اللّه أو دينه، فأضيف إليه؛ فهو جائز، وفي القرآن كثير؛ كقوله - تعالى -: {إِنْ تَنْصُرُوا اللّه يَنْصُرْكُمْ}، أي: إن تنصروا دين اللّه أو أوليائه ينصركم، وقد ذكرنا هذا في صدر الكتاب. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَهُوَ خَادِعُهُمْ}، أي: يجزيهم جزاء خداعهم المؤمنين؛ فسمي: خداعًا - وإن لم يكن في الحقيقة خداعًا؛ لأنه جزاء الخداع، وهو كما سمى جزاء السيئة: سيئة، وإن لم تكن الثانية -في الحقيقة- سيئة، وكذلك سمى جزاء الاعتداء: اعتداء، وإن لم يكن الثاني اعتداء؛ فعلى ذلك سمى هذا: خداعًا؛ لأنه جزاء الخداع، واللغة غير ممتنعة عن تسمية الشيء باسم سببه؛ على ما ذكرنا، واللّه أعلم. ثم اختلف في جهة الخداع؛ عن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللّه عنه - قال: يعطى المنافقين على الصراط نورًا كما يعطى المؤمنين؛ فإذا مضوا به على الصراط طفِئ نورهم، ويبقى نور المؤمنين يمضون بنورهم؛ فينادون المؤمنين: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ}، فنجوز به؛ فتناديهم الملائكة: {ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا}، وقد علموا أنهم لا يستطيعون الرجوع؛ فذلك قوله: {وَهُوَ خَادِعُهُمْ} وكذلك قال الحسن، ثم قال: فتلك خديعة اللّه إياهم. وقال آخرون: يفتح لهم باب من أبواب الجنة؛ فإذا رأوا ذلك قصدوا ذلك الباب، فلما دنوا منه أغلق دونهم، فذلك الخداع، واللّه أعلم. ويحتمل وجهًا آخر: وهو أنهم شاركوا المؤمنين في هذه الدنيا ومنافعها، والتمتع والتقلب فيها؛ فظنوا أنهم يشاركونهم في منافع الآخرة والتمتع بها؛ فيحرمون ذلك، فذلك الخديعة، واللّه أعلم. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ. . .} الآية. جعل اللّه - تعالى - للمنافق أعلاما في قوله وفعله يعلم بها المنافق: أما في القول: ما قالوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ}، وقوله: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ}، وقوله - تعالى -: {قَدْ يَعْلَمُ اللّه الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا. . .} الآية. وأما في الفعل فهو قوله - تعالى -: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللّه إِلَّا قَلِيلًا}، وقوله: {وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا}، أي القتال، وقوله - تعالى -: {فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ. . .} الآية، ومثله كثير في القرآن، مما جعل ذلك علامة لهم، وهو كقوله - تعالى -: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ. . .} الآية، وكقوله - تعالى -: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ. . .} الآية، يراءون في جميع أفعالهم - الناس. وفي حرف حفصة - رضي اللّه عنها -: " يراءون الناس واللّه يعلم ما في قلوبهم ولا يذكرون اللّه إلا قليلا ". عن الحسن في قوله - تعالى -: {وَلَا يَذْكُرُونَ اللّه إِلَّا قَلِيلًا} - فقال: أما واللّه لو كان ذلك القليل منهم للّه لقبله، ولكن ذلك القليل رياء. وقيل: لو كان ذلك القليل للّه يريدون به وجهه، فقبله - لكان كثيرًا، ولكن لا يقبله؛ فهو لا شيء. وقد يتكلم بالقليل واليسير على إرادة النفي من الأصل، واللّه أعلم. وروي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللّه عَنْهُ - قال: قال رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم -: " مَنْ أحْسَنَ الصلَاةَ حَيثُ يَرَاهُ النَّاسُ، وَأَسَاءَهَا حَيثُ يَخْلُو - فَتِلْكَ اسْتِهَانَةٌ يَسْتَهِينُ بِهَا رَبَّهُ ". وروي في علامة المنافق أخبار: روى أبو هريرة - رَضِيَ اللّه عَنْهُ - قال: قال النبي - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إِن للمُنَافِقِ عَلَامَاتٍ، يُعرَفُونَ بِهَا: تَحِيتُهُم لَعْنَة، وَطَعَامُهُم نُهْبة، وَغَنيمَتُهُم غُلُوا، لَا يَقْرَبُونَ المَسَاجِدَ إِلا هَجْرًا، وَلَا يَأتُونَ الصلَاةَ إِلأ دُبُرًا ". وعن عبد اللّه بن عمرو - رَضِيَ اللّه عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " أَرْبعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وِإذَا وَعَدَ أخْلَفَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ "، وروي: ثلاث. ورُوي عن عبد اللّه قال: اعتبروا المنافق بثلاث: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وِإذَا وَعَدَ أخْلَفَ، وإذا عاهد غدر. ثم قرأ الآيات: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللّه لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ. . .} الآية. وعن وهب قال: من خصال المنافق: أن يحب الحمد، ويكره الذم. |
﴿ ١٤٢ ﴾