١٤٤

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ... (١٤٤)

عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللّه عَنْهُ - قال: نزلت في المنافقين الذين اتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين؛ سماهم اللّه - تعالى - مؤمنين بإقرارهم بالإيمان علانية، وتوليهم الكافرين سرا، أو أن يقال: سموا مؤمنين؛ لما كانوا ينتسبون إلى المؤمنين؛ فسموا بذلك.

وقيل: نزلت في المؤمنين، نهاهم أن يتخذوا المنافقين أولياء بإظهارهم الإيمان علانية، وأمرهم أن يتخذوا المؤمنين أولياء.

ثم وجه النهي في الولاية واتخاذهم أولياء يكون من وجوه:

يحتمل: النهي عن ولايتهم ولاية الدِّين، أي: لا تثقوا بهم، ولا تصدقوهم، ولا تأمنوهم في الدِّين؛ فإنهم يريدون أن يصرفوكم عن دينكم؛ كقوله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} الآية.

ويحتمل: النهي عن اتخاذهم أولياء في أمر الدنيا؛ كقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا. . .} الآية. نهي - عز وجل - المؤمنين أن يجعلوا المنافقين موضع سرهم في أمر من أمور الحرب وغيره.

والثالث: في كل أمر، أي: لا تصادقوهم، ولا تجالسوهم، ولا تأمنوهم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا للّه عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا}

أي: تجعلون للّه عليكم سلطانًا مبينًا.

قيل: عذرًا مبينًا.

وقيل: حجة بينة يحتج بها عليكم، واللّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا للّه عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا} فهو - واللّه أعلم - الإرادة، وهي صفة كل فاعل في الحقيقة، وحرف الاستفهام من اللّه إيجاب؛ فكأنه قال: قد جعلتم للّه في تعذيبكم حجة بينة يعقلها الكل؛ إذ ذلك يكون - وهو اتخاذ الكافرين أولياء دون المؤمنين - حجة ظاهرة في لزوم المقت.

وجائز أن تكون الإضافة إلى اللّه ترجع إلى أولياء اللّه؛ نحو الأمر بنصر اللّه، والقول بمخادعة اللّه، وكان ذلك منهم حجة بينة عليهم لأولياء اللّه: أنهم لا يتخذون الشيطان وليا، وأولياء: عبادة غير اللّه اتخذوه، ولا قوة إلا باللّه.

﴿ ١٤٤