١٢

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللّه مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا}

هذا - واللّه أعلم - تعليم من اللّه - تعالى - هذه الأمة وإنباء منه أنه قد أخذ العهود والمواثيق على الأمم السالفة، كما أخذ منكم؛ لأنه ذكر أنه: قد أخذ من هَؤُلَاءِ الميثاق بقوله: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّه عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ. . .} الآية، ثم أعلمهم بما وعد لهم من الثواب إن وفوا بتلك العهود والمواثيق التي أخذت عليهم، وبما أوعد لهم من العقاب إن نقضوا العهود التي أخذ عليهم؛ ليكونوا على حذر من نقضها، وليقيموا على وفائها.

أو أن يقال: إنه إنما ذكر ما أخذ على أُولَئِكَ من العهود والمواثيق؛ ليكون ذلك آية من آيات رسالة نبينا مُحَمَّد - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنه إخبار عن الأمم السالفة، وهو لم يشهدها ولا حضرها؛ ليعلموا أنه إنما علم ذلك بِاللّه.

ثم تحتمل تلك العهود والمواثيق التي أخذت عليهم: ما ذكر على أثرها وسياقها، وهو قوله - تعالى -: {وَقَالَ اللّه إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ. . .} إلى آخر ما ذكر.

ويحتمل ما قال ابن عَبَّاسٍ: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللّه مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} في التوارة: ألا تشركوا به شيئا، وبالإيمان بِاللّه وملائكته وكتبه ورسله، وإحلال ما أحل اللّه، وتحريم ما حرم اللّه، وحسن مؤازرتهم.

{وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا}، يعني: ملكًا، وهم الذين بعثهم موسى إلى بيت المقدس؛ ليعلموا له علمها.

ويحتمل: أن يكونوا اختاروا من بينهم أُولَئِكَ، فسألوا موسى أن يجعلهم عليهم قدوة يقتدون بهم ويعلمونهم الدِّين والأحكام، ويأخذ عليهم المواثيق والعهود؛ فيكون ما أخذ على أُولَئِكَ من المواثيق والعهود عليهم، واللّه أعلم.

ثم اختلف في النقيب:

قَالَ بَعْضُهُمْ: النقيب: هو الملك، وهو قول ابن عَبَّاسٍ.

وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: النقيب: هو المنظور إليه، والمصدور عن رأيه، وهو من وجوه القوم، وجمعه: النقباء، مثل العرفاء.

وقال أبو عبيد: النقيب: الأمير والضامن على القوم.

وقال الكسائي والفراء يقال منه: نقبت عليه، أنقب، نقابة، وهو فوق العريف؛ يقال من العريف: عرفت عليهم عرافة، وهم النقباء والعرفاء.

والمناكب، واحدهم: منكب، وهم كالعون يكون مع العريف.

وقَالَ الْقُتَبِيُّ: النقيب: الكفيل على القوم، والنقابة والنكابة: شبيهة بالعرافة.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَقَالَ اللّه إِنِّي مَعَكُمْ}،

قَالَ بَعْضُهُمْ: قال للنقباء: إني معكم في النصر والدفع عنكم، {لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ. . .} إلى آخر ما ذكر، وهو قول ابن عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللّه عَنْهُ.

ويحتمل أن يكون هذا الوعد لكل من قام بوفاء ذلك: النقباء وغير النقباء، وما ذكر من الوعيد في الآية التي هي على أثر هذه على كل من نقض ذلك العهد: النقيب وغير النقيب.

ثم قوله: {لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ} يحتمل وجهين:

يحتمل: أنه أراد بالصلاة: الخضوع والثناء له، وبالزكاة: تزكية النفس وطهارتها، وذلك في العقل على كل أحد القيام به في كل وقت.

ويحتمل: أن يكون أراد بالصلاة والزكاة: الصلاة المعروفة المعهودة، والزكاة المعروفة؛ ففيه دليل وجوب الصلاة والزكاة على الأمم السالفة.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي}

يحتمل: أن تؤمنوا برسلي جميعًا، ولا تفرقوا بينهم: أن تكفروا ببعض وتؤمنوا ببعض؛ كقولهم: {نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ}.

{وَعَزَّرْتُمُوهُمْ}

قَالَ الْقُتَبِيُّ وأَبُو عَوْسَجَةَ: وعزرتموهم، قالا: وعظمتموهم، والتعزير: التعظيم.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: نصرتموهم.

 وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللّه عَنْهُ - قال: " وعزرتموهم: أعنتموهم "، يعني: الأنبياء، عليهم السلام.

{وَأَقْرَضْتُمُ اللّه قَرْضًا حَسَنًا}

أي: صادقا من كل أنفسكم، ابتغى به وجه اللّه.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: {وَأَقْرَضْتُمُ اللّه قَرْضًا حَسَنًا} أي: محتسبًا طيبة بها نفسه.

ويحتمل قوله: {وَأَقْرَضْتُمُ اللّه قَرْضًا حَسَنًا}، أي: اجعلوا عند اللّه لأنفسكم أيادي ومحاسنَ؛ تستوجبون بذلك الثواب الجزيل، ثم قال: {لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}

وعد لهم تكفير ما ارتكبوا من المآثم إذا قاموا بوفاء ما أخذ اللّه عليهم من المواثيق.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}

قَالَ بَعْضُهُمْ: فمن كفر بعد ذلك، أي: بعد المواثيق والعهود التي أخذ عليهم.

ويحتمل قوله: {فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ}، أي: من كفر، {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}، أي: أخطأ قصد السبيل.

﴿ ١٢