٨٢

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ... (٨٢)

تحتمل الآية وجوهًا:

تحتمل: أن يكون ما ذكر من شدة عداوة اليهود للذين آمنوا قومًا مخصوصين منهم.

وتحتمل: اليهود الذين كانوا بقرب رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه هم أشد عداوة لهم.

وتحتمل: اليهود جملة، فهو - واللّه أعلم - على ما كان منهم من قتل الأنبياء وتكذيبهم إياهم، ونصب القتال والحرب مع رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - والمؤمنين، وما كان منهم من قول الوخش في اللّه - سبحانه - ما لم يسبقهم أحد بمثل ذلك ما وصفوا اللّه - عَزَّ وَجَلَّ - بالبخل والفقر، وهو قوله - تعالى -: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّه مَغْلُولَةٌ}، وقالوا: {إِنَّ اللّه فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ}، وغير ذلك من القول؛ وذلك لشدة بغضهم وعداوتهم وقساوة قلوبهم؛ فعلى ذلك كل من دعاهم إلى دين اللّه تعالى، فهم له أشد عداوة، وأقسى قلبًا.

وأمَّا النصارى: فلم يكن منهم واحد مما كان من اليهود: من قتل الأنبياء، ونصب الحروب والقتال معهم، ولم يروا في مذهبهم القتال ولا الحرب، ولا كان منهم من القول الوخش ما كان من اليهود، بل كان فيهم اللين والرفق؛ حتى حملهم ذلك على القول في عيسى ما قالوا، وذلك منهم له تعظيم فوق القدر الذي جعل اللّه له، حتى رفعوه من قدر العبودية إلى قدر الربوبية؛ لذلك كفروا، وإلا كانوا يؤمنون بالكتب والأنبياء - عليهم السلام - من قبل؛ ألا ترى أنه قال: {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا} أخبر - عز وجل - أن منهم قسيسين ورهبانًا، والرهبان: هم العباد.

وقيل: القسيسون: هم الصديقون، ولم يكن من اليهود رهبان ولا قسيسين؛

 لذلك كان النصارى أقرب مودة وألين قلبًا من اليهود، واللّه أعلم.

فإن كان ذلك في قوم مخصوصين مشار إليهم، وهو ما ذكر في القصة أن بني قريظة وبني النضير كانوا يعاونون ويظاهرون مشركي العرب على قتال رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ويأمرونهم بذلك، ظاهروا وأعانوا لمن لم يؤمن بنبي ولا كتاب قط على من قد آمن بالأنبياء والكتب جميعًا؛ وذلك لسفههم وشدة تعنتهم؛ حتى قاتلهم رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وأجلاهم من بلادهم إلى أرض الشام.

وإن كان ذلك عن قوم بقرب رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - والمؤمنين، وهو ما كان من يهود المدينة؛ حيث بايعوا أهل مكة على قتال رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وكانوا عيونًا لهم عليهم وطلائع، ولم يذكر في قصة من القصص أنه كان من النصارى شيء من ذلك، كان أقرب مودة للمؤمنين، واللّه أعلم.

وما قال بعضه أهل التأويل بأن من أسلم منهم كان أقرب مودة للمؤمنين من اليهود فحاصل هذا الكلام أن المؤمن أقرب مودة للمؤمنين من الكافر، وذلك كلام لا يفيد معنى.

﴿ ٨٢