٥

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ ... (٥) يحتمل الحق: الآيات التي كان يأتي بها رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - من آيات التوحيد وآيات البعث.

ويحتمل القرآن، ولو لم يكن يأتي رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بآية كانت نفسه آية عظيمة من أول نشأته إلى آخر عمره؛ لأنه عصم حتى لم يأت منه ما يستسمج ويستقبح قط؛ فدل أن ذلك إنما كان لما جعل آية في نفسه، وموضعًا لرسالته، وعلى ذلك تخرج إجابة أبي بكر - رَضِيَ اللّه عَنْهُ - في أول دعوة دعاه إلى ذلك لما كان رأى منه من آيات، فلما دعاه أجابه في ذلك مع ما كان منعه من آيات عظيمة، وأعلام عجيبة.

 وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} معناه - واللّه أعلم - أن يأتيهم وينزل بهم ما نزل بالمستهزئين، وإلا كان أتاهم أنباء ما نزل بالمستهزئين، ولكن معناه ما ذكرنا، أي: ينزل بهم ويحل ما نزل وحل بالمستهزئين.

ويحتمل قوله وجهًا أَخر: {فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} وهو العذاب؛ لأن الرسل كانوا يوعدونهم أن ينزل بهم العذاب بتكذيبهم الرسل، فعند ذلك يستهزئون بهم؛ كقوله: {عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا}، وكقوله: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ}، وغير ذلك؛ إذ قالوا: {اللّهمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}، فأخبر أنه ينزل بهم ذلك كما نزل بأُولَئِكَ.

﴿ ٥