٦

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ ... (٦) قال الحسن: ألم يروا: ألم يعتبروا {كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ}.

وقال أبو بكر الكيساني: {أَلَمْ يَرَوْا} قد رأوا {كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ} قال: وهو واحد، قد رأوا آثار الذين أهلكوا بتكذيبهم الرسل، وتعنتهم ومكابرتهم، لكنهم لم يعتبروا بذلك.

- وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ}

قَالَ بَعْضُهُمْ: أعطيناهم من الخير والسعة والأموال ما لم نمكن لكم يا أهل مكة أي: لم نعطكم، ثم إذا كذبوا الرسل أهلكهم اللّه - تعالى - وعاقبهم بأنواع العقوبة.

ويحتمل: مكناهم في الأرض من القوة والشدة؛ كقوله: {وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً}، ثم مع شدة قوتهم أهلكوا إذ كذبوا الرسل.

ويحتمل وجها آخر: {مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ} أي: في قلوب الخلق، من نفاذ القول، وخضوع الناس لهم؛ لأنهم كانوا ملوكًا وسلاطين الأرض، من نحو نمرود، وفرعون، وعاد، مع ما كانوا كذلك أهلكوا إذ كذبوا الرسل، وأنتم يا هَؤُلَاءِ ليس

لكم شيء من ذلك، أفلا تهلكون إذا كذبتم الرسل؟! وإنما حملهم على تكذيب الرسل - واللّه أعلم - لما كانوا ذوي سعة وقوة، فلم يروا الخضوع لمن دونهم في ذلك لما رأوا الأمر بالخضوع لمن دونهم في ذلك جورًا غير حكمة، وإنما أخذوا ذلك من إبليس اللعين؛ حيث قال عند أمره بالسجود لآدم، فقال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} فعلى ذلك هَؤُلَاءِ الكفرة رأوا الأمر بالخضوع لمحمد - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - جورًا منه، حتى قالوا: {لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا} قَالَ الْقُتَبِيُّ: مدرارا بالمطر: أي غزيرا، من درَّ يدرُّ.

وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: أي: درت عليهم السماء بالمطر، أي: كثر ودام وتتابع واحدا بعد واحد في وقت الحاجة {وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ} أخبر عن سعة، أُولَئِكَ،

 وما أنعم عليهم من كثرة الأمطار والأنهار ما لم يكن ذلك لهَؤُلَاءِ، ثم مع ما كان أعطاهم ذلك أهلكهم إذ كذبوا الرسل.

فَإِنْ قِيلَ: كيف ذكر إهلاك هَؤُلَاءِ، وخوف أُولَئِكَ ذلك بتكذيبهم الرسل، وقد أهلك الرسل والأولياء من قبل؟

قيل: لأن إهلاك أُولَئِكَ إهلاك عقوبة وتعذيب؛ لأنه كان أهلكهم هلاك استئصال واستيعاب؛ خارجًا عن الطبع، وأهلك أُولَئِكَ الرسل والأولياء لا إهلاك عقوبة خارجًا عن الطبع؛ لذلك كان ما ذكر.

* * *

﴿ ٦