١٢قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ للّه}. يحتمل وجهين: أحدهما: أن يخرج مخرج البيان لهم وأنه ليس على الأمر؛ لأنه لو كان على الأمر لكان يذكر سؤاله لهم، ولم يذكر وإن سألهم، لا يحتمل ألا يخبروه بذلك، فلما لم يذكر سؤاله لهم عن ذلك، ولا يحتمل أن يأمره بالسؤال ثم لا يسأل، أو يسأل هو ولا يخبرونه - فدل أنه على البيان خرج لا على الأمر. والثاني: على أمر سبق؛ كقوله - تعالى -: (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤) سَيَقُولُونَ للّه)، وكقوله: {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ. . .}، إلى قوله: {سَيَقُولُونَ للّه}، وقوله: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، ونحوه، كان على أمر سبق، فسخرهم - عَزَّ وَجَلَّ - حتى قالوا: اللّه؛ كقوله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللّه} ذلك تسخير منه إياهم حتى قالوا: اللّه. وفي حرف ابن مسعود، وأبي بن كعب - رضي اللّه عنهما - {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ للّه} هذا يدل على أنه كان على أمر سبق. وقَالَ بَعْضُهُمْ: {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي: سلهم، فإن أجابوك فقالوا: للّه، وإلا فقل لهم أنت: للّه. وقال قائلون: فإن سألوك لمن ما في السماوات والأرض؟ قل للّه. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}. قال الحسن: كتب على نفسه الرحمة للتوابين إن شاء أن يدخلهم الجنة، لا أحد يدخل الجنة بعمله، إنما يدخلون الجنة برحمته، وعلى ذلك جاء الخبر عن نبي اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " لا يدخل أحد الجنة بعمله " قيل: ولا أنت يا رسول اللّه؟ قال: " ولا أنا إلا أن يتغمدني اللّه برحمته ". وقيل: كتب على نفسه الرحمة أن يجمعهم إلى يوم القيامة، أي: من رحمته أن يجمعهم إلى يوم القيامة، حيث جعل للعدو عذابًا، وللولي ثوابًا، أي: من رحمته أن يجمعهم جميعًا، يعاقب العدو ويثيب الولي. وقيل: أي: من رحمته أن جعل لهم الجمع، فأوعد العاصي العذاب، ووعد المطيع الثواب؛ ليمنع العاصي ذلك عن عصيانه، وليرغب المطيع في طاعته، وذلك من رحمته. وقال قائلون: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} لأمة مُحَمَّد ألا يعذبهم عند التكذيب، ولا يستأصلهم، كما عذب غيرهم من الأمم، واستأصلهم عند التكذيب، فالتأخير الذي أخرهم إلى يوم القيامة من الرحمة التي كتب على نفسه. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} قيل: {إِلَى} صلة، ومعناه: ليجمعنكم يوم القيامة. وقيل: {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} أي: ليوم القيامة، كقوله: {لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ}. وقال قائلون: قوله: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ} في القبور {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} ثم يجمعكم يوم القيامة والقرون السالفة. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {لَا رَيْبَ فِيهِ} أي: لا ريب في الجمع والبعث بعد الموت عند من يعرف أن خلق الخلق للفناء خاصة، لا للبعث والإحياء بعد الموت للثواب والعقاب، ليس لحكمة. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} قد ذكرناه. |
﴿ ١٢ ﴾