١٦وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ ... (١٦) قال بعض المعتزلة: الرحمة هاهنا: الجنة؛ لأن اللّه - تعالى - جعل في الآخرة دارين؛ إحداهما: النار، سماها سخطًا. والأخرى: الجنة، سماها رحمة. وإنما حملهم على هذا أنهم لا يصفون اللّه بالرحمة في الأزل، فعلى قولهم يكون قول رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إلا أن يتغمدني اللّه برحمته "، أي: يثيبني الجنة. ولكن سميت الجنة رحمة عندنا لما برحمته يدخلون الجنة، لا بأعمالهم؛ لما روينا عن رسول اللّه - صَلَّى اللّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ - حيث قال: " لا يدخل أحد الجنة بعمله " قيل: ولا أنت يا رسول اللّه؟ قال: " ولا أنا إلا أن يتغمدني اللّه برحمته ". وعلى قول المعتزلة فيكون اللّه بالملائكة رحيمًا لأنه [ ..... ]، ولا ثواب، ولكن الوجه فيه ما ذكرنا أنها سميت رحمة لما برحمته يدخل فيها. وعلى هذا يخرج ما سمي المطر رحمة لما برحمته ينزل، وكذلك كل ما سمي رحمة في الشاهد يخرج على ما ذكرنا، واللّه أعلم. ثم قوله: {مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ}. قيل: من يصرف عنه العذاب يومئذ فقد رحمه، وكذلك روي في حرف حفصة: {مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ}، وفي حرف ابن مسعود: (من يصرف عنه شر ذلك اليوم فقد رحمه). ويحتمل أن يكون قوله: {مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ} صلة قوله: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}. وكذلك روي عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللّه عَنْهُ - قال في قوله - تعالى -: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ}: قل لكفار أهل مكة حين دعوه إلى دينهم، على ما ذكر في بعض القصة: (قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (١٦). وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ}. وذلك الصرف - يعني: صرف العذاب - الفوز المبين، وإنما ذكره - واللّه أعلم - فوزا مبينًا؛ لأنه فوز دائم، لا زوال له، وليس كفوز هذه الدنيا يكون في وقت ثم يزول عن قريب، ولا كذلك فوز الآخرة. |
﴿ ١٦ ﴾