٢٧

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ}.

عن الحسن قال: سترى إذ وقفوا على النار.

وفي حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللّه عَنْهُ -: (ولو ترى إذ عرضوا على النار) وكذلك في: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ}، إذ عرضوا على ربهم. ولولا ما روي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللّه عَنْهُ - وقفوا: عرضوا على النار، وإلا يجوز أن يحمل قوله: {إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ}، أي: عند النار، أو في النار " على " مكان " عند "، أو مكان " في "، وذلك جائز في اللغة، ولكن ما روي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللّه عَنْهُ - أقنعنا عن ذلك.

ثم يحتمل - واللّه أعلم - أن يكون هذا صلة قوله {إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} كأنه يقول: ولو ترى يا مُحَمَّد إذ وقفوا على النار لرحمتهم؛ لما كان منهم من القول فيك {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} {إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}، وهكذا الواجب

 على كل أحد أن يرحم عدوه إذا كان عاقبته النار والتخليد فيها، وألا يطلب الانتقام منه بما كان منه بمكانةٍ، وأن يقال: ولو تراهم إذ وقفوا على النار من الذل والخضوع لرحمتهم بما كان منهم من التكبر والاستكبار في الدنيا، وهو كقوله: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} الآية، أخبر عن ذلهم وخضوعهم في الآخرة بما كان منهم في الدنيا من الاستكبار والاستنكاف؛ فعلى ذلك يخبر نبيّه عما يصيبهم من الذلّ بتكبرهم في الدنيا، واللّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وجل -: {فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}.

تمنوا عند معاينتهم العذاب العود والرد إلى الدنيا. ثم فيه دليلان:

أحدهما: أنهم عرفوا أن ما أصابهم أإنما أصابهم، بتكذيبهم الآيات وتركهم الإيمان، حيث قالوا: {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا}.

والثاني، أن الإيمان هو التصديق الفرد لا غير؛ لأنهم إنما فزعوا عند معاينتهم العذاب فتمنوا الرد والعود إلى الدنيا؛ لأن يكونوا من المؤمنين، ولم يفزعوا إلى شيء آخر من الخيرات - دل أن الإيمان هو التصديق الفرد لا غير، وأنه ضد التكذيب، والتكذيب هو درد فعلى ذلك التصديق.

﴿ ٢٧