١٠٦

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (١٠٦)

فَإِنْ قِيلَ: ما معنى قوله: {مِنْ رَبِّكَ}، وإنَّمَا أوحي إليه من ربه، ويكفي قوله: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}؟!

ولكن معناه على الإضمار - واللّه أعلم - كأنه قال للذي أوحى إليه على يديه: قل {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}، ثم أمر نبيه باتباع ما أوحي إليه من ربه، أي: اعمل بما أوحي إليك.

ثم الأمر بالعمل يحتمل وجهين:

يحتمل: الأمر بالاعتقاد بذلك.

ويحتمل: نفس العمل، أي: اعمل.

ويشبه أن يكون الأمر بالاتباع ما أوحي إليه صدقًا في الخبر وعدلا في الحكم؛ كقوله: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا}.

قيل: صدقًا في الأخبار، وعدلا في الأحكام؛ فعلى ذلك أمكن أن يكون الأمر بالاتباع اتباع ما أوحي إليه صدقا في الأخبار، وعدلا في الأحكام، ثم على ما أمر نبيه باتباع ما أوحي إليه وأنزل من ربه أمر أمته كذلك، وهو قوله: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ}، أمرهم باتباع ما أنزل إليهم من ربهم، ونهاهم عن اتباع من اتخذوا من دونه أولياء؛ فعلى ما نهاهم عن اتخاذ أولياء دونه قال في الآية التي أمر رسوله باتباع ما أوحي إليه من ربه؛ فقال: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}

وقوله: {وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} واحد؛ لأنه أمر باتباع ما أوحي إليه من ربه، ونهي أن يتبع دونه أولياء؛ لأنه أخبر أن لا إله إلا هو.

وقوله - عزَّ وجلَّ -: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ}.

يحتمل: أمره بالإعراض عن المشركين وجوهًا:

 يحتمل ألا تكافئهم على أذاهم؛ ولكن اصبر، ويحتمل الأمر بالإعراض عنهم: النهي عن قتالهم؛ كأنه نهى عن قتالهم في وقت.

ويحتمل أن تكون الآية في قوم خاصة، قال: أعرض عنهم؛ فإنهم لا يؤمنون، ولا تقم عليهم الآيات والحجج؛ لما علم منهم أنهم لا يؤمنون، ثم على ما أمر نبيه بالإعراض عنهم أمر المؤمنين -أيضًا- بالإعراض عنهم، وهو قوله: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ}.

﴿ ١٠٦